للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

١٣١ - وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( «يَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ: لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ. فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهٌ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: ٢٧] الْآيَةَ. قَالَ: فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيُفْتَحُ. قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَذَكَرَ مَوْتَهُ، قَالَ: وَيُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ فَيَقُولَانِ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي! فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي! فَيَقُولَانِ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هَاهْ هَاهْ، لَا أَدْرِي! فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنَّ كَذَبَ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ.

قَالَ: فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا. قَالَ: وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلَاعُهُ، ثُمَّ يُقَيَّدُ لَهُ أَعْمَى أَصَمُّ، مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ مِنْ حَدِيدٍ، لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا، فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ، فَيَصِيرُ تُرَابًا، ثُمَّ يُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ» " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ.

ــ

١٣١ - (وَعَنِ الْبَرَاءِ) : بِالتَّخْفِيفِ وَالْمَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِالْقَصْرِ نَقَلَهُ الْكِرْمَانِيُّ (بْنِ عَازِبٍ) : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (يَأْتِيهِ مَلَكَانِ) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبَرَاءُ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَّا أَنَّ أَلْفَاظَهُمَا مُخْتَلِفَةٌ. قَالَ فِي رِوَايَةِ الْبَرَاءِ: يَأْتِيهِ، أَيِ: الْمُؤْمِنُ مَلَكَانِ (فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ) : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتُسَكَّنُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَعْجَمِيًّا صَارَ عَرَبِيًّا (فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ) ، أَيِ: الَّذِي اخْتَرْتَهُ مِنْ بَيْنِ الْأَدْيَانِ (فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ. فَيَقُولَانِ) ، أَيْ: لَهُ كَمَا فِي نُسْخَةٍ (مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟) ، أَيْ: مَا وَصْفُهُ لِأَنَّ (مَا) يُسْأَلُ بِهِ عَنِ الْوَصْفِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَقَالَ، أَيْ: مَا وَصْفُهُ أَرَسُولٌ هُوَ، أَوْ مَا اعْتِقَادُكَ فِيهِ؟ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ (مَا) : بِمَعْنَى (مَنْ) لِيُوَافِقَ بَقِيَّةَ الرِّوَايَاتِ بِلَفْظِ: مَنْ نَبِيُّكَ (فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ) . وَفِي نُسْخَةٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيَقُولَانِ لَهُ) ، أَيْ: لِلْمَيِّتِ (وَمَا يُدْرِيكَ؟) ، أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمَكَ وَأَخْبَرَكَ بِمَا تَقُولُ مِنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَالرِّسَالَةِ؟ وَقِيلَ: إِنَّمَا وَصَلَ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ هُنَا لِاتِّصَالِهِ بِمَا قَبْلَهُ بِخِلَافِ مَا دِينُكَ وَمَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ (فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ) ، أَيِ: الْقُرْآنَ (فَآمَنْتُ بِهِ) ، أَيْ: بِالْقُرْآنِ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِلْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ آمَنْتُ بِالنَّبِيِّ أَنَّهُ حَقٌّ (وَصَدَّقْتُ) ، أَيْ: صَدَّقْتُهُ بِمَا قَالَ، أَوْ صَدَّقْتُ بِمَا فِي الْقُرْآنِ فَوَجَدْتُ فِيهِ: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩] وَ {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [غافر: ٦٢] وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ رَبِّي وَرَبَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِيهِ أَيْضًا: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ - وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: ١٩ - ٨٥] فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَا دِينَ مَرْضِيًّا عِنْدَهُ غَيْرُ الْإِسْلَامِ، وَفِيهِ أَيْضًا: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} [الفتح: ٢٩] وَ {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: ١٥٨] وَغَيْرُ ذَلِكَ. كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ وَرَأَيْتُ فِيهِ الْفَصَاحَةَ وَالْبَلَاغَةَ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مُعْجِزٌ فَآمَنْتُ بِهِ أَوْ تَفَكَّرْتُ فِيمَا فِيهِ مِنَ الْبَعْثِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَفَوَاضِلِ الْأَعْمَالِ، وَمِنْ ذِكْرِ الْغُيُوبِ وَأَخْبَارِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْمَعَ مِنْ أَحَدٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ (فَذَلِكَ) ، أَيْ: وَصَدَاقُ هَذَا قَوْلُهُ، أَيْ: جَرَيَانُ لِسَانِهِ بِالْجَوَابِ الْمَذْكُورِ هُوَ التَّثْبِيتُ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ} [إبراهيم: ٢٧] الْآيَةَ قَالَ، أَيِ: النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (فَيُنَادِي مُنَادٍ) ، أَيْ: لِلْمَلَكَيْنِ (مِنَ السَّمَاءِ) ، أَيْ: مِنْ جِهَتِهَا (أَنْ صَدَقَ عَبْدِي) : أَنْ مُفَسِّرَةٌ لِلنِّدَاءِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْقَوْلِ، وَجُوِّزَ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً مَجْرُورًا بِتَقْدِيرِ اللَّامِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ مَعْنًى إِلَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ (فَأَفْرِشُوهُ) : وَالْمَعْنَى صَدَقَ عَبْدِي فِيمَا يَقُولُ، فَإِنَّهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَلَى هَذَا الِاعْتِقَادِ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْإِكْرَامِ، وَلِذَا سَمَّاهُ عَبْدًا وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا فَأَفْرِشُوهُ بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ (مِنَ الْجَنَّةِ) : وَالْفَاءُ فِيهِ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ، أَيْ: إِذَا صَدَقَ عَبْدِي فَاجْعَلُوا لَهُ فَرْشًا مِنْ فَرْشِ الْجَنَّةِ، فَيَكُونُ أَفْرَشَ بِمَعْنَى فَرَشَ كَذَا قِيلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>