للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الْمَسْئُولِ عَنْهُمَا أَيْ: مُحَاسَبَةِ الْعِبَادِ أَوْ مُجَازَاتِهِمْ بِمَا يُبْدُونَ وَمَا يَخَافُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ. (مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ) أَيْ: مُؤَاخَذَتُهُ الْعَبْدَ بِمَا اقْتَرَفَ مِنَ الذَّنْبِ. (بِمَا يُصِيبُهُ) أَيْ: فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ صِلَةُ مُعَاتَبَةٍ، وَيَصِحُّ كَوْنُ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً. (مِنَ الْحُمَّى) : وَغَيْرُهَا مُؤَاخَذَةُ الْمُعَاتِبِ، وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْحُمَّى بِالذِّكْرِ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَشَدِّ الْأَمْرَاضِ وَأَخْطَرِهَا. قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ: الْعِتَابُ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ الْخَلِيلَيْنِ مِنْ نَفْسِهِ الْغَضَبَ عَلَى خَلِيلِهِ لِسُوءِ أَدَبٍ ظَهَرَ مِنْهُ، مَعَ أَنَّ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّتَهُ، يَعْنِي: لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يُلْحِقُهُمْ بِالْجُوعِ، وَالْعَطَشِ، وَالْمَرَضِ، وَالْحَزَنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكَارِهِ، حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا صَارُوا مُطَهَّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: كَأَنَّهَا فُهِمَتْ أَنَّ هَذِهِ مُؤَاخَذَةُ عِقَابٍ أُخْرَوِيٍّ ; فَأَجَابَهَا بِأَنَّهَا مُؤَاخَذَةُ عِتَابٍ فِي الدُّنْيَا عِنَايَةً وَرَحْمَةً اهـ.

وَلِذَلِكَ لَمَّا شَقَّتِ الْآيَةُ الْأُولَى عَلَى الصَّحَابَةِ وَأَزْعَجَتْهُمْ نَزَلَ عَقِبَهَا: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦] كَمَا أَنَّهُ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِمْ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: ١٠٢] وَتَفْسِيرُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَهَا «بِأَنْ يُذْكَرَ فَلَا يُنْسَى، وَيُطَاعَ فَلَا يُعْصَى، وَيُشْكَرَ فَلَا يُكْفَرَ» ; نَزَلَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦] وَوَقَعَ فِي الْمَصَابِيحِ: هَذِهِ مُعَاقَبَةُ اللَّهِ بِالْقَافِ. قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: إِشَارَةٌ إِلَى مَفْهُومِ الْآيَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا. وَيُرْوَى: مُعَاتَبَةُ اللَّهِ مِنَ الْعِتَابِ أَيْ: يُؤَاخِذُ اللَّهُ مَعَهُ أَخْذَ الْعَاتِبِ. قَالَ شَارِحُ الرِّوَايَةِ: الْأُولَى فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ، وَهِيَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَلَا مَعْنَى لَهَا. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَرُوِيَ: مُتَابَعَةُ اللَّهِ، وَمَعْنَاهَا صَحِيحٌ خِلَافًا لِمَنْ نَازَعَ فِيهِ، وَأَطَالَ بِمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ وتَحْرِيفٌ لِعَدَمِ اسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ أَصْلًا، ثُمَّ جَعَلَهُ بِمَعْنَى تَبِعَهُ أَيْ: طَالَبَهُ تَبِعَتَهُ غَايَةً مِنَ الْبُعْدِ، وَأَعْرَبَ حَيْثُ قَالَ: وَمِنْ ذَلِكَ خَبَرٌ: اتَّبَعُوا الْقُرْآنَ، أَيِ: اقْتَدَوْا بِهِ. (وَالنَّكْبَةُ) : بِفَتْحِ النُّونِ أَيِ: الْمِحْنَةُ، وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ. (حَتَّى الْبِضَاعَةِ) : بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَهِيَ بِالْكَسْرِ طَائِفَةٌ مِنْ مَالِ الرِّجَالِ. (يَضَعُهَا فِي يَدِ قَمِيصِهِ) أَيْ: كُمِّهِ، سُمِّيَ بِاسْمِ مَا يُحْمَلُ فِيهِ. (فَيَفْقِدُهَا) أَيْ: يَتَفَقَّدُهَا وَيَطْلُبُهَا، فَلَمْ يَجِدْهَا لِسُقُوطِهَا، أَوْ أَخْذِ سَارِقٍ لَهَا مِنْهُ. (فَيَفْزَعُ لَهَا) أَيْ: يَحْزَنُ لِضَيَاعِ الْبِضَاعَةِ فَيَكُونُ كَفَّارَةً كَذَا قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: يَعْنِي إِذَا وَضَعَ بِضَاعَةً فِي كُمِّهِ، وَوَهِمَ أَنَّهَا غَابَتْ فَطَلَبَهَا وَفَزِعَ كَفَّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبَهُ، وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَا يَخْفَى. (حَتَّى) أَيْ: وَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْوَالَ، حَتَّى " (إِنَّ الْعَبْدَ) : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَتْحِ، وَأَظْهَرَ الْعَبْدَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ إِظْهَارًا لِكَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُقْتَضِي لِلصَّبْرِ وَالرِّضَا بِأَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ. (كَمَا يَخْرُجُ مِنْ ذُنُوبِهِ) : بِسَبَبِ الِابْتِلَاءِ بِالْبَلَاءِ. (كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ) بِالْكَسْرِ أَيِ: الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، فَإِذَا ضُرِبَا كَانَا عَيْنًا. (الْأَحْمَرُ) أَيِ: الذَّهَبُ يُشْوَى فِي النَّارِ تَشْوِيَةً بَالِغَةً. (مِنَ الْكِيرِ) : بِكَسْرِ الْكَافِ مُتَعَلِّقٌ بِيَخْرُجُ. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>