١٥٥٢ - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ مُحْتَسِبًا، بُوعِدَ مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سِتِّينَ خَرِيفًا» ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ.
ــ
١٥٥٢ - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) أَيْ: أَتَى بِهِ كَامِلًا، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: أَيْ: أَتَى بِهِ صَحِيحًا فَغَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ صَحِيحًا لَا يُقَالُ لَهُ فِي الشَّرْعِ: إِنَّهُ تَوَضَّأَ. (وَعَادَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ) : وَلَعَلَّ الْأَمْرَ بِالطَّهَارَةِ لِلْعِيَادَةِ ; لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ بِنُقْطَةِ زِيَادَةٍ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى رِعَايَةِ صَاحِبِ الْعِيَادَةِ، فَيَكُونُ جَامِعًا بَيْنَ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالشَّفَقَةِ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: فِيهِ أَنَّ الْوُضُوءَ سُنَّةٌ فِي الْعِبَادَةِ ; لِأَنَّهُ إِذَا دَعَا عَلَى الطَّهَارَةِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْإِجَابَةِ. وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ: وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي الْوُضُوءِ هُنَا أَنَّ الْعِيَادَةَ عِبَادَةٌ، وَأَدَاءُ الْعِبَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَكْمَلِ أَفْضَلُ، هَذَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْوُضُوءُ لِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، ثُمَّ قَالَ: وَالِاعْتِذَارُ عَمَّهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا هَذَا الْحَدِيثَ بَعِيدًا مَعَ كَوْنِ السُّنَّةِ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ. أَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! يَسْتَبْعِدُ أَنَّ فُقَهَاءَ الشَّافِعِيَّةِ لَمْ يَرَوْا مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ، وَيُجَوِّزُ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصِّحَاحَ مَا بَلَغَتْ مِثْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحَدِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أُصُولًا وَفُرُوعًا، وَلَكِنْ كَمَا وَرَدَ: " حُبُّكَ الشَّيْءَ يُعْمِي وَيُصِمُّ ". (مُحْتَسِبًا) أَيْ: طَالِبًا لِلثَّوَابِ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ مِنَ الْأَسْبَابِ. (بُوعِدَ) : مَاضٍ مَجْهُولٌ مِنَ الْمُبَاعَدَةِ، وَالْمُفَاعَلَةُ لِلْمُبَالَغَةِ. (مِنْ جَهَنَّمَ مَسِيرَةَ سِتِّينَ خَرِيفًا) أَيْ: سَنَةً. كَمَا فِي رِوَايَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ إِطْلَاقًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ: قَالَ الطِّيبِيُّ: كَانَتِ الْعَرَبُ يُؤَرِّخُونَ أَعْوَامَهُمْ بِالْخَرِيفِ ; لِأَنَّهُ كَانَ أَوَانَ جِدَادِهِمْ وَقِطَافِهِمْ وَإِدْرَاكِ غَلَّاتِهِمْ إِلَى أَنْ أَرَّخَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِسَنَةِ الْهِجْرَةِ اهـ. وَتَبِعَهُ ابْنُ حَجَرٍ مَعَ اعْتِرَاضِهِ عَلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ بِمَا رَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخَرِيفَ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ كَأَمِيرٍ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ بَيْنَ الْقَيْظِ وَالشِّتَاءِ تُخْتَرَفُ فِيهِ الثِّمَارُ، وَأَرَّخَ الْكُتَّابُ وَقْتَهُ فَقَوْلُهُ: كَانُوا يُؤَرِّخُونَ أَعْوَامَهُمْ بِالْخَرِيفِ، مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْخَرِيفَ آخِرَ سَنَتِهِمْ، أَوْ أَوَّلَهَا لِمَا عَلَّلَهُ، أَوِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُطْلِقُونَ الْخَرِيفَ عَلَى الْعَامِ جَمِيعًا لِمَا تَقَدَّمَ، وَمَا الدَّخْلُ فِيهِ لِتَارِيخِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِالْهِجْرَةِ، فَإِنَّ سَبَبَهُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يُؤَرِّخُونَ لِمَعْرِفَةِ مُضِيِّ مُدَّةِ السِّنِينَ بِأَمْرٍ غَرِيبٍ كَانَ يَقَعُ فِي سَنَةٍ مِنَ السِّنِينِ كَعَامِ الْفِيلِ، فَغَيَّرَهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَجَعَلَ اعْتِبَارَ التَّارِيخِ مِنْ سَنَةِ الْهِجْرَةِ، وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى تَارِيخِ يَوْمِنَا هَذَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute