يَكُونُ الْمَصْبُوبُ هُوَ الْمَاءَ الْبَاقِي الْمَطْلُوبَ، وَالْإِدَاوَةُ ظَرْفٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ (وَأَمَرَنَا) ، أَيْ: بِالْخُرُوجِ (فَقَالَ) : بَيَانُ الْأَمْرِ، أَوْ أَمَرَنَا بِمَعْنَى أَرَادَ أَمْرَنَا فَقَالَ: (اخْرُجُوا) ، إِذْنًا بِالْخُرُوجِ (فَإِذَا أَتَيْتُمْ أَرْضَكُمْ) ، أَيْ: دِيَارَكُمْ (فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ) ، أَيْ: غَيِّرُوا مِحْرَابَهَا، وَحَوِّلُوهُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَقِيلَ: خَرِّبُوهَا (وَانْضَحُوا) : بِفَتْحِ الضَّادِ، أَيْ: رُشُّو (مَكَانَهَا بِهَذَا الْمَاءِ) : لِيَصِلَ إِلَيْهَا بَرَكَةُ فَضْلِ وُضُوئِهِ، فَالْإِشَارَةُ إِلَى فَضْلِ الْوُضُوءِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى جِنْسِ الْمَاءِ، وَالْمُرَادُ تَطْهِيرُهَا وَغَسْلُهَا بِالْمَاءِ عَمَّا بَقِيَ فِيهِ (وَاتَّخِذُوهَا) ، أَيِ: الْبِيعَةَ يَعْنِي مَكَانَهُ (مَسْجِدًا) ، قُلْنَا: إِنَّ الْبَلَدَ بَعِيدٌ، وَالْحَرَّ) : بِالنُّصْبِ وَيُرْفَعُ (شَدِيدٌ، وَالْمَاءَ) : بِالْوَجْهَيْنِ (يُنْشَفُ) : بِالتَّخْفِيفِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ، يُقَالُ: نَشِفَ الثَّوْبُ الْعَرَقَ بِالْكَسْرِ، وَنَشَّفَ الْحَوْضُ الْمَاءَ يُنَشِّفُهُ إِذَا شَرِبَهُ (فَقَالَ: (مُدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ) ، أَيْ: زِيدُوا فَضْلَ مَاءِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَاءِ غَيْرَهُ، وَحَاصِلُهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: أَيْ صُبُّوا عَلَيْهِ مَاءً آخَرَ (فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ) ، قَالَ الطِّيبِيُّ: الضَّمِيرُ فِي فَإِنَّهُ إِمَّا لِلْمَاءِ الْوَارِدِ أَوِ الْمَوْرُودِ، أَيِ: الْوَارِدُ لَا يَزِيدُ الْمَوْرُودَ الطَّيِّبَ بِبَرَكَتِهِ (إِلَّا طِيبًا) : أَوِ الْمَوْرُودُ الطَّيِّبُ لَا يَزِيدُ بِالْوَارِدِ إِلَّا طِيبًا اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ بِالسِّيَاقِ أَقْرَبُ، وَبِنِسْبَةِ الزِّيَادَةِ أَنْسَبُ، وَإِنْ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِنَّ عَكْسَهُ أَوْلَى إِشَارَةً إِلَى أَنَّ مَا أَصَابَ بَدَنَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَطْرُقُهُ تَغَيُّرٌ، بَلْ هُوَ بَاقٍ عَلَى غَايَةِ كَمَالِهِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ بِوَاسِطَةِ مُلَامَسَتِهِ لِتِلْكَ الْأَعْضَاءِ الشَّرِيفَةِ، فَكُلُّ مَا مَسَّهُ أَكْسَبَهُ طِيبًا اهـ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِشَارَةَ مِمَّا اشْتَرَكَ فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَضَبْطُ طِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ، وَقِيلَ: بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِيهِ التَّبَرُّكُ بِفَضْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَنَقْلُهُ إِلَى الْبِلَادِ، وَنَظِيرُهُ: مَاءُ زَمْزَمَ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - كَانَ يَسْتَهْدِيهِ مِنْ أَمِيرِ مَكَّةَ لِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ فَضْلَةَ وَارِثِيهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ كَذَلِكَ، (رَوَاهُ النَّسَائِيُّ) ، أَيْ: عَنْ هَنَّادٍ، عَنْ مُلَازِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مُطَوَّلًا عَنْ أَبِي خَلِيفَةَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ، حَدَّثَنَا مُلَازِمٌ بِالسِّنْدِ قَالَ: «خَرَجْنَا سِتَّةً وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، خَمْسَةً مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَسَادِسَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَخْبَرْنَاهُ بِأَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا، وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَتَمَضْمَضَ، ثُمَّ صَبَّهُ لَنَا فِي إِدَاوَةٍ نَمَّ قَالَ: (اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ، فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ، ثُمَّ انْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ، وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا) ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَلَدُ بَعِيدٌ، وَالْمَاءُ يُنْشَفُ، قَالَ: (فَأَمِدُّوهُ مِنَ الْمَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ إِلَّا طِيبًا) ، فَخَرَجْنَا فَتَشَاحَحْنَا عَلَى حَمْلِ الْإِدَاوَةِ أَيُّنَا يَحْمِلُهَا، فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا وَلَيْلَةً، فَخَرَجْنَا بِهَا حَتَّى قَدِمْنَا بَلَدَنَا، فَعَمِلْنَا الَّذِي أَمَرَنَا، وَرَاهِبُ ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ طَيِّئٍ، فَنَادَيْنَا بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: دَعْوَةُ حَقٍّ ثُمَّ هَرَبَ، فَلَمْ يُرَ بَعْدُ» ، نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّخْرِيجِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute