قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ «سَمِعَ مَنْ يَنْشُدُ فِي الْمَسْجِدِ جَمَلًا أَحْمَرَ فَقَالَ: (لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ» ) . وَحَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ خَبَرَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا: (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ فِيهِ ضَالَّةً فَقُولُوا: لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ» ) . قَالَ: وَكَذَا يَنْدُبُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ أَنْشَدَ شِعْرًا مَذْمُومًا: فَضَّ اللَّهُ فَاكَ ثَلَاثًا ; لِلْأَمْرِ بِذَلِكَ، رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ، وَلَا بَأْسَ بِإِعْطَاءِ السَّائِلِ فِيهِ شَيْئًا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، ( «هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمْ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ، فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمَرَ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ بِالصَّلَاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ فَيَتَصَدَّقُونَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالصَّدَقَةِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
قُلْتُ: لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ سَائِلًا، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: لَا يَحِلُّ إِعْطَاؤُهُ فِيهِ لِمَا فِي بَعْضِ الْآثَارِ: يُنَادِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَقُمْ بَغِيضُ اللَّهِ، فَيَقُومُ سُؤَّالُ الْمَسْجِدِ. وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَنْ يُؤْذِي النَّاسَ بِالْمُرُورِ وَنَحْوِهُ، فَيُكْرَهُ إِعْطَاؤُهُ ; لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ لَهُ عَلَى مَمْنُوعٍ، وَبَيْنَ مَنْ لَا يُؤْذِي فَيُسَنُّ إِعْطَاؤُهُ ; لِأَنَّ السُّؤَّالَ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى يُرْوَى أَنَّ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ، فَمَدَحَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَلَا الْآيَةِ أَنَّ إِعْطَاءَ عَلِيٍّ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْخِلَافَ خِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ ; لِاخْتِلَافِ السَّائِلِينَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute