للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

مِنَ الْجَنَّةِ وَسَتَعُودُ إِلَيْهَا وَلَيْسَتْ كَسَائِرِ الْأَرْضِ تَفْنَى وَتَذْهَبُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَهِيَ مِنَ الْجَنَّةِ الْآنَ حَقِيقَةً، وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَحْوَ الْجُوعِ لِاتِّصَافِهَا بِصِفَةِ دَارِ الدُّنْيَا، وَقِيلَ: يُعِيدُ اللَّهُ مِنْبَرَهُ عَلَى حَالِهِ فَيَنْصِبُهُ عَلَى حَوْضِهِ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّفْظِ عَلَى ظَاهِرِهِ الْمُمْكِنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ وَرُوِيَ: وَمِنْبَرِي عَلَى تُرْعَةِ حَوْضِي، وَالتُّرْعَةُ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ: الرَّوْضَةُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ خَاصَّةً، وَقِيلَ: هِيَ الدَّرَجَةُ، وَقِيلَ: الْبَابُ، وَقِيلَ: تُرْعَةُ الْحَوْضِ مَفْتَحُ الْمَاءِ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْآخِرَةِ مِنْبَرٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنْبَرُهُ فِي الدُّنْيَا، وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى اسْتِمْدَادِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْحَوْضِ الزَّاخِرِ النَّبَوِيِّ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْآخَرِ لَا مَطْمَعَ لِأَحَدٍ فِي الْآخَرِ دُونَ الِاتِّعَاظِ بِالْأَوَّلِ.

وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: ظَنَّ بَعْضُ الْأَغْبِيَاءِ أَنَّ تِلْكَ الرَّوْضَةَ قِطْعَةٌ مُقْتَطَعَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَنَّ الْأَنْهَارَ سَيْحَانَ وَجَيْحَانَ وَالْفُرَاتَ وَالنِّيلَ مُهْبَطَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ، وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي الْجَنَّةِ: {إِنَّ لَكَ أَلَّا تُجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى - وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} [طه: ١١٨ - ١١٩] وَلَيْسَتْ هَذِهِ صِفَةَ الْأَنْهَارِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا الرَّوْضَةَ، فَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ: مِنَ الْجَنَّةِ إِنَّمَا هُوَ لِفَضْلِهَا، وَأَنَّ الصَّلَاةَ فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَنَّ تِلْكَ الْأَنْهَارَ لِطِيبِهَا وَبَرَكَتِهَا أُضِيفَتْ إِلَى الْجَنَّةِ كَمَا تَقُولُ فِي الْيَوْمِ الطَّيِّبِ: هَذَا مِنْ أَيَّامِ الْجَنَّةِ، وَكَمَا قِيلَ فِي الضَّأْنِ: إِنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَنَّةِ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّ حِلَقَ الذِّكْرِ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ

وَتَعَقَّبَهُ ابْنُ حَجَرٍ: بِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ لَهُ ; لِأَنَّ تِلْكَ الْقِطْعَةَ لَمَّا نَزَلَتْ إِلَى الْأَرْضِ أُعْطِيَتْ أَحْكَامَهَا، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ حَلَفَ دَاخِلُهَا أَنَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ حَنِثَ وَاعْتَرَى مَنْ بِهَا الْجُوعُ وَنَحْوُهُ، وَمُجَرَّدُ سَلْبِ ذَلِكَ عَنْهَا لَا يَقْتَضِي سَلْبَ كَوْنِهَا مِنَ الْجَنَّةِ عَنْهَا، وَفَائِدَةُ كَوْنِهَا مِنْهَا - مَعَ نَفْيِ أَوْصَافِهَا عَنْهَا - غَايَةُ تَشْرِيفِ مَسْجِدِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّ فِيهِ قِطْعَةً مِنْ نَفْسِ أَرْضِ الْجَنَّةِ، كَمَا صَحَّ «فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمَقَامِ: أَنَّهَا يَاقُوتَتَانِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْلَا مَا طُمِسَ مِنْ نُورِهِمَا لَأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ» . وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ يَعْنِي فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ: «أَنَّ الْحَجَرَ نَزَلَ مِنَ الْجَنَّةِ يَاقُوتَةً بَيْضَاءَ، وَأَنَّ اللَّهَ غَيَّرَهُ بِالسَّوَادِ لِئَلَّا يَنْظُرَ أَهْلُ الدُّنْيَا إِلَى زِينَةِ الْجَنَّةِ» يَعْنِي: لِيَكُونَ الْإِيمَانُ غَيْبِيًّا لَا عَيْنِيًّا، وَأَنَّهُ أُنْزِلَ فِي مَحَلِّ الْكَعْبَةِ قَبْلَ وُجُودِهَا لِيَتَأَنَّسَ بِهِ آدُمُ، وَحَرَسَهُ بِصَفٍّ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ; لِئَلَّا يَنْظُرَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ. وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْجَنَّةِ دَخَلَهَا، فَكَمَا أَنَّ هَذَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً، وَلَا يُمْكِنُ لِابْنِ حَزْمٍ تَأْوِيلُهُمَا، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا زَعَمَهُ فِي تِلْكَ الْأَنْهَارِ - وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ أَيْضًا. وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهَا مِنَ الْجَنَّةِ حَقِيقَةً، لَكِنَّهَا لَمَّا نَزَلَتْ إِلَى الْأَرْضِ اكْتَسَبَتْ أَوْصَافَهَا أَيْضًا - وَقَوْلُهُ كَمَا تَقُولُ فِي الْيَوْمِ الطَّيِّبِ إِلَخْ. لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي تِلْكَ الْمُثُلِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنْ نَحْوِ: «الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ» . مُسْتَحِيلَةٌ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَهُ مِيرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>