٦٩٣ - وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَمَسْجِدِي هَذَا» ) . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٦٩٣ - (وَعَنْ «أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ» قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ» ) : جَمْعُ رَحْلٍ، وَهُوَ كَوْرُ الْبَعِيرِ، وَالْمُرَادُ نَفْيُ فَضِيلَةِ شَدِّهَا وَرَبْطِهَا (إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ) : قِيلَ: نَفْيٌ مَعْنَاهُ نَهْيٌ أَيْ: لَا تَشُدُّوا إِلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ مَا سِوَى الثَّلَاثَةِ مُتَسَاوٍ فِي الرُّتْبَةِ غَيْرُ مُتَفَاوِتٍ فِي الْفَضِيلَةِ، وَكَانَ التَّرَحُّلُ إِلَيْهِ ضَائِعًا وَعَبَثًا. وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: يَحْرُمُ شَدُّ الرَّحْلِ إِلَى غَيْرِ الثَّلَاثَةِ وَهُوَ غَلَطٌ، وَفِي الْإِحْيَاءِ: ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الرِّحْلَةِ لِزِيَارَةِ الْمَشَاهِدِ وَقُبُورِ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَمَا تَبَيَّنَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ كَذَلِكَ، بَلِ الزِّيَارَةُ مَأْمُورٌ بِهَا لِخَبَرِ: ( «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا» ) . وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا وَرَدَ نَهْيًا عَنِ الشَّدِّ لِغَيْرِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِتَمَاثُلِهَا، بَلْ لَا بَلَدَ إِلَّا وَفِيهَا مَسْجِدٌ، فَلَا مَعْنَى لِلرِّحْلَةِ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ، وَأَمَّا الْمَشَاهِدُ فَلَا تُسَاوِي بَلْ بَرَكَةُ زِيَارَتِهَا عَلَى قَدْرِ دَرَجَاتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ، ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي هَلْ يَمْنَعُ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ شَدِّ الرَّحْلِ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ كَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَيَحْيَى، وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِي غَايَةِ الْإِحَالَةِ، وَإِذَا جُوِّزَ ذَلِكَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءُ فِي مَعْنَاهُمْ، فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ أَغْرَاضِ الرِّحْلَةِ، كَمَا أَنَّ زِيَارَةَ الْعُلَمَاءِ فِي الْحَيَاةِ مِنَ الْمَقَاصِدِ. (مَسْجِدِ الْحَرَامِ) : بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ، وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ (وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) : وَصَفَهُ بِالْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَلَعَلَّ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ لِتَقَدُّمِهِ وُجُودًا (وَمَسْجِدِي هَذَا) : قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ: يُرِيدُ بِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَمَزِيَّةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ لِكَوْنِهَا أَبْنِيَةَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَمَسَاجِدَهُمْ. قُلْتُ: وَلِأَنَّ اللَّهَ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِهِ الْقَدِيمِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَرْجَحِيَّةِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى} [التوبة: ١٠٨] هُوَ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ، ثُمَّ مَسْجِدُ قُبَاءٍ تَابِعٌ لِمَسْجِدِهِ، أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يَأْتِي، وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَيْهِ غَالِبًا. (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) : وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ. قَالَهُ مِيرَكُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute