قوله: والثاني يسمى بلاسي وهو اللفايفي وينصب إليه بول الجنين. هذا الغشاء يحدث للجنين في الشهر الثاني وذلك لأن الجنين يبول من سرته وملاقاة البول لبشرته يؤذيها فلذلك احتيج أن يخلق له حينئذٍ هذا الغشاء ليحول بين البول وبين بشرته وإنما يتأخر هذا الغشاء إلى الشهر الثاني لأن بول الجنين إنما يكثر حتى يخشى من إضراره بشرة الجنين في هذه المدة، وإما المادة التي يتكون منها هذا الغشاء فهي الفضلات التي تفضل من غذائه الواصل إليه من المشيمة وذلك لأن الجنين في الشهر الأول والثاني والثالث يكون ما يستعمله من الغذاء قليلاً لأجل صغره والواصل غليه من الرحم وهو على القدر الذي يصل إليه بعد ذلك فلا بد من أن يفضل عنه في هذه المدة فضول كثيرة ولذلك تكثر بالأم الأعراض الردية التي من شأنها أن تعرض للحوامل كالشهوة الفاسدة والنفرة عن اللحوم وثقل البدن والتكرب ونحو ذلك ومن هذه الفضول يتكون الغشاءان الحادثان وهما هذان الغشاءان والأخرى تحدث في الشهر الثالث.
قوله: والثالث يقال له أنفس وهو يمتص العرق ولما كانت الفضول تكثر في الجنين في الشهور الأولى وجب أن يكون ما يندفع منها حينئذٍ أكثر والمندفع في البول أكثر لا محالة من المندفع في العرق فلذلك كانت الحاجة إلى الغشاء الموقي عن البول قبل الحاجة إلى الغشاء الموقي عن العرق متأخراً ولا شك أن عرق الجنين إذا كثر من ملاقاته للبشرة أن يلدغها ويرخيها فيحتاج لذلك إلى جرم يحول بينه وبين ذلك العرق، وهذا الجرم لا بد وأن يكون غشائياً ليكون مع قوته مفرط الرقة فلا يزاحم الجنين ويضيق عليه المكان.
وقوله: هذا الغشاء أيضاً هو من فضول الغذاء كما قلنا في الغشاء الحاوي للبول وليس يحتاج الجنين مع هذه الأغشية الثلاثة إلى غشاء رابع وذلك لأن حاجته إلى ذلك إما لأجل الغذاء والروح والنسيم وذلك قد قام به الغشاء المشيمي وإما لأجل الوقاية وذلك قد قام به هذان الغشاءان الآخران وجملة هذه الأغشية تفيد أيضاً في وقاية الجنين عن المصادمات والسقطات ونحو ذلك.
وليس للجنين براز حتى يحتاج إلى غشاء آخر وإنما كان كذلك لأن وصول الغذاء إليه إنا هو بالطبع وإنما يصل بذلك ما كان من الغذاء صالحاً صافياً خالياً من الفضول التي تحتاج إلى إخراجها بالبراز.
ولقائل أن يقول: ها هنا إشكالان أحدهما أن الغذاء الواصل إلى الجنين كما أنه يخلو من الفضول المحوجة إلى البراز وكذلك هو أيضاً يخلو من المائية الزائدة المحوجة إلى إخراجها بالبول فإن الحاجة إلى البول كما بينتموه أو لاً إنما هو زيادة المائية التي يحتاج إليها لتنفيذ المائية الغذاء في مجاري الكبد، وتلك المائية زائدة عن القدر الكافي في الاغتذاء فلذلك إذا انفصل الغذاء من الكبد استغنى عن تلك المائية الزائدة فاحتيج إلى إخراجها بالبول، وهذه المائية ليست مما يحتاج إليه الجنين لأن الغذاء إنما يصل إلى كبده بعد ترقيقه وانطباخه في بدن الأم وصيرورته دماً وإنما يحتاج حينئذٍ إلى فعل كبده فيه ليصلحه ويجعله شبيهاً بمزاج المني وذلك مما لا يحتاج فيه إلى مائية يحتاج إلى إخراجها بالبول فلذلك يجب أن يكون الجنين غير محتاج إلى البول كما هو غير محتاج إلى البراز فكما استغنى عن غشاء لأجل البراز وجب أن يستغني عن غشاء لأجل البول.
وثانيهما: أن خلق غشاء لأجل البول يمكن وصوله إلى خارج ذلك الغشاء من السرة وأما العرق إذا خرج من المسام فإنه لا يجد طريقاً إلى خارج الغشاء الذي يقولون إنه مخلوق له فلا يتمكن من النفوذ إلى خارجه فلئن قلتم إنه يتمكن من ذلك بأن ينفذ من مسام ذلك الغشاء.
قلت: هذا لا يصح من وجهين: أحدهما: إن أمكن نفوذه أيضاً في غشاء البول ومخالطة العرق للبول مع توقيتهما عن ملاقاة بشرة الجنين مما لا ضرر فيه.
وثانيهما: أن هذا العرق كما انه ينفذ في مسام هذا الغشاء إلى خارجه كذلك أيضاً يتمكن من النفوذ في تلك المسام إلى داخله بعد ذلك بتلاقي بشرة الجنين فلا يكون لذلك الغشاء تأثير في توقية بشرة الجنين.