أقول: إن الصواب أن يكون أو ل عضو ينخلق هو الكبد لا شك أن أو ل قوة تحدث في المني بعد القوة الحيوانية هي قوة الغذاء، وهذا لا يلزمه أن يكون الكبد يتكون أو لاً. ولأنها يتكون أو لاً قبلها سوى القلب من الأعضاء وذلك لأن القوى الطبيعة جميعها عندنا تجذب الأعضاء بذواتها لا بإعطاء الكبد لها. وقد حققنا هذا من قبل.
والدم الذي يغتذي به الجنين ليس يلزم أن يكون متولداً في بدنه فضلاً عن أن يكون من الكبد بل ذلك الدم يأتي إليه من بدن الأم فلذلك وجوب تقدم الكبد في التكون ليس بلازم ولا أيضاً وجوب تقدمها على ما سوى القلب فإن السرة تكون قبلها وكذلك الدماغ لأن حاجة الجنين إلى الكبد لا لأجل إصلاح الدم الآتي إليه من الدم وإن كانت متقدمة على الحاجة إلى الدماغ لكن يكون الدماغ أسرع لأجل زيادة رطوبة مادته.
وها هنا بحث لا بد من تحقيق الكلام فيه وهو أن لقائل أن يقول: إن المني إذا اجتمع في الرحم يشاهد في داخله نقطة حمراء تشتد ظهورا كلما تحرك ذلك الموضع، وذلك الشيء الأحمر لا بد من أن يكون دماً، ويلزم من هذا أحد أمرين: إما أن يكون الدم في القلب وأنتم لا تقولون بذلك وإما أن يكون في الكبد أو لاً لأن يكون الدم إذا لم يكن في القلب فلا بد أن يكون في الكبد، وتكونه في الكبد متأخراً لا محالة عن تكون الكبد وعن مشاهدة هذه النقطة الحمراء في وسط المني لا يكون القلب قد تكون فيلزم ذلك أن يكون تكون الكبد قبل تكون القلب بكثير ويلزم ذلك أن يكون تكونها قبل تكون الأعضاء الأخر جميعها؟ والجواب عن هذا: إن تلك النقطة مسلم أنها من الدم ولكن ذلك الدم لا يلزم أن يكون متكوناً لا في القلب ولا في عضو آخر أعني من أعضاء الجنين وذلك لأن أصل المني كما علمت هو المتصعد بالحرارة إلى الدماغ. وهذا المتصعد لا يلزم أن يكون جميعه من الرطوبات المائية لأن الحرارة تصعد كل رطوبة تجذبها ولذلك لا بد من أن يكون المني مخالطاً لكثير من المائية وهي التي يتصعد بتلك الحرارة ولا بد أيضاً من أن يكون مخالطاً لشيء من الدم وهو الذي يتصعد بسبب تلك الحرارة المصعدة للرطوبة الثانية أيضاً. لكن هذا الدم يسير جداً لأن الدم محصور في العروق وهي كيفية الأجرام فلا يتمكن ما فيها من الدم من التصعد بالحرارة فلذلك إنما يتصعد منه شيء يسير جداً وذلك اليسير ما دام منبثاً في جرم المني يكون مختلطاً به فلا يتميز للحس فإذا استقر المني في الرحم فمن شأنه أن يجتمع كل جزء فيه مع جنسه فلذلك تجتمع الأجزاء المتبخرة من غذاء العظم بعضها إلى بعض وكذلك الأجزاء المتبخرة من غذاء العصب ونحو ذلك وكذلك الأجزاء الدموية تجتمع لا محالة بعضها إلى بعض فيصير من الجملة قدر محسوس وهذا لابد من أن يكون في مكان ما من المني وليس موضع منه أولى من آخر فيجب أن يكون في وسطه لأن ذلك الموضع متميز عن غيره ونسبة إلى الأطراف جميعها على السواء فلذلك يجب أن يكون هذا الدم في وسط المني وليس موضع أولى به أيضاً من آخر فلذلك يجب أيضاً أن يكون في وسط المني فلذلك الدم والروح يجب أن يكونا في وسط المني وذلك بأنه يحدث نفخة يكونان فيها وتلك النفخة إذا تم تكونها كانت في تجويف القلب كما بيناه فلذلك الدم المجتمع في المني لا بد من أن يكون أو لاً في تجويف القلب ولا يلزم ذلك أن يكون الدم يتكون في القلب ولا أن يكون تكون الكبد متقدماً على تكون القلب وأما أن تلك النقطة الحمراء يشتد ظهورها كلما تحرك الموضع الذي هي في داخله فذلك لأن حركة ذلك الموضع هي حركته في الانبساط فإنا قد بينا النفاخة التي تكون فيها الروح وهي التي تصير تجويفاً للقلب لا بد من أن تكون متحركة حركة انبساط وانقباض وإذا انبسطت بتخلخل جرمها فكانت الرؤية تلك النقطة أسهل وأوضح.