فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول:(دعني يا رسول الله! أغتنم قوتي وشبابي، قال: اقرأه في عشرين) وهذا أكمل الهدي أن تقرأ القرآن في شهر، لكن كيف يكون هذا؟ إن من قرأ القرآن في أكثر من شهر يعد هاجراً للقرآن، انظروا إلى هذا الكلام! لأن الله يقول:{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}[الفرقان:٣٠] والهجر طبعاً يتفاوت من رجل إلى رجل، فمن الناس من يهجره فلا يقرأه في العام ولا مرة، ومنهم من لا يقرأه في السنين كلها إلا مرة، ومنهم من لا يقرأه إلا في أكثر من الشهر، ولكن الاعتدال أن تقرأ في كل شهر مرة، يقول العلماء: الهجر ينقسم إلى خمسة أقسام: أولاً: هجر القرآن تلاوةً.
ثانياً: هجر القرآن تدبراً.
ثالثاً: هجر القرآن عملاً.
رابعاً: هجر القرآن احتكاماً.
خامساً: هجر القرآن استشفاءً.
فإذا مرضت فاستشفِ بالقرآن، واحتكم إليه، واعمل به، وتدبره، واتله، فإذا توفرت فيك هذه الخمس، فأنت من أهل القرآن، فإذا أهملت خصلة من هذه الخصال فأنت هاجرٌ لكتاب الله.
وأحد الإخوة! يقول: هناك أسلوبٌ من أعظم الأساليب إذا اتبعه المسلم؛ استطاع أن يختم القرآن في كل شهرٍ مرة؛ لأن بعض الناس يريد أن يختم، ولكن يضيع عليه مصحفه الذي في البيت أو الذي في المكتب أو الذي في جيبه، أو بعضهم ما يتمكن من حمل المصحف في جيبه؛ لأنه يخشى أن يدخل به دورة المياه، أو يعرضه لإهانة، وفي المسجد لا يستطيع أيضاً أن يمسك مصحفاً خاصاً، فإن المصاحف في المسجد مشتركة لكل واحد، فابتكر طريقة جديدة وأسلوباً عظيماً وموفقاً أدلكم عليه، وقد جُرِّب فكان ناجحاً، وهو أن يختم القرآن في كل شهر مرة بدون أي كلفة، فما هو هذا الأسلوب؟ الأسلوب هو: أن تبدأ في ختم القرآن في اليوم الذي أنت فيه، فمثلاً لو أن اليوم [٢٠/٤] فإنك من يوم غدٍ ستبدأ في الجزء الحادي والعشرين من القرآن الكريم؛ لأن غداً يوافق في الشهر [٢١] فتقرأ في الصباح ما شاء الله لك من الجزء الحادي والعشرين، ربع حزب ربعين نصف جزء وبعد ذلك أَغلق المصحف واعرف عند أي آية انتهيت؛ لأنك في الجزء الحادي والعشرين ما عندك فيه اختلاف ولا لبس، فإذا جاء وقت الظهر فمن المفترض أنك بمجرد أن يؤذِّن أن تنزل وتصلي أربع ركعات، راتبة الظهر كما جاءت في السنة، ثم تجلس وتقرأ، وبعد الصلاة تكمل، أو تكمل هذا في العصر، أو تكمله في المغرب فتواصل القراءة إلى العشاء، المهم إذا جاءت صلاة العشاء وما أكملت الجزء كله، فاعرف كم بقي عليك، وإذا جئت البيت قبل أن تنام فاقرأ بقية الجزء ثم صلِّ الوتر ونم.
وبهذا الأسلوب تتمكن في يوم واحد من أن تكمل جزءاً، وفي اليوم (٢٢) تقرأ الجزء (٢٢) ، إلى آخر الشهر، ثم تبدأ من أول الشهر من الجزء الأول، فإذا كان الشهر ثلاثين يوماً فالحمد لله، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين تضاعف القراءة في اليوم الأخير فتجعله جزأين، وبهذا تعد تالياً لكتاب الله، عاملاً بسنة وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل في هذا صعوبة؟! لا والله ما فيه صعوبة؛ لأننا لو أجرينا الآن استفتاءً في الموجودين وهم صفوة الشباب، وقلنا: هل تقرءون القرآن في كل شهرٍ مرة؟ ربما النسبة التي تقرأ القرآن في كل شهر مرة تبدو قليلة وأنا أولهم، ولكن بالأسلوب هذا إن شاء الله نستطيع أن نعمل.