ثم انتقل المؤلف رحمه الله إلى ذكر دليل الشهادة الثانية فقال: [وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}[التوبة:١٢٨] ، وَمَعْنَى شَهَادَة (أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ) : طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، واجتناب ما عنه نهى وَزَجَرَ، وأَلا يُعْبَدَ اللهُ إِلا بِمَا شَرَعَ] .
هذا هو الركن الثاني من أركان شهادة ألا إله إلاّ الله، أو هذه أركان الشهادة التي يدخل بها الإنسان إلى الإسلام، وهو الشهادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة، وسيأتي تفصيل من هو النبي في الأصل الثالث من الأصول التي ذكرها المؤلف رحمه الله، وَدِليلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ} ، فقوله:{مِنْ أَنْفُسِكُمْ} أي: من جنسكم.
وقيل: إن الخطاب لقريش.
فيكون معناها: من العرب، {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} ، و (عزيز) إذا عدّيت بـ (على) كان معناها: الثقل والشدة.
أي: يثقل عليه ويشق عليه ويشتد عليه (مَا عَنِتُّمْ) يعني: الذي يتعبكم ويلحقكم فيه مشقة.
فهذا وصفه صلى الله عليه وسلم بأنه عزيز عليه مشقة أمته وتعبهم.
(حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) والحرص: هو شدة الرغبة في الشيء.
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً غاية الحرص على هداية قومه ودلالتهم على الحق والهدى، حتى إنه أدمي وجهه، وكسرت رباعيته، وشجّ رأسه، وكان يقول:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ، وهذا من غاية حرصه وشفقته على الناس صلى الله عليه وسلم، {بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ) ، وهذا خاص بأهل الإيمان تميزوا به عن غيرهم، فهو صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوف رحيم، والرأفة: هي رقة تنشأ عن الخوف على المرؤوف به.
والرحمة تقتضي الإحسان بالمرحوم، فالرأفة تقتضي دفع المكروهات، والرحمة تقتضي جلب المحمودات والمحاسن والمحبوبات، والشاهد من هذه الآية قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، والذي جاءنا من أنفسنا هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بهذه الآية، فهذا دليل من القرآن على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك قوله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون:١] ، فأثبت علمه سبحانه وتعالى برسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لما طولب النبي صلى الله عليه وسلم بدليل على رسالته قال له:{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ}[الإسراء:٩٦] ، فاكتفى بشهادة الله عز وجل على إثبات رسالته، كما تقدم بيان ذلك فيما تقدم من دروس.