إن من يقرأ التاريخ سواء التاريخ الإسلامي أو التاريخ المعاصر أو تاريخ اليهود والنصارى، رأى هذه حقيقة ثابتة لا تتخلف، فإن البشرية كلها من يوم أن خلق الله آدم حتى الآن لم تعرف أعتى ولا أضل من فرعون، ولا حتى مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة، فإن ذاك ادعى الألوهية، وكان في عز ومنعة من نفسه وقومه، ومع ذلك فالله عز وجل أجرى الأنهار له في مصر حتى أغرقه بها.
وهكذا تنقلب النعمة إلى نقمة، الماء نعمة {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء:٣٠] لكن الماء يغرق، فهذا فرعون الذي افتخر بالماء، وبأن هذه الأنهار تجري من تحته، جعلها الله فوقه.
وفي تاريخنا المعاصر قال رجل: أولادي في الجيش، وهذا الجيش لي، وهذه الأوسمة لي، ويلبس ثياباً عليها أوسمة لم يعرفها أحد من البشر، ولا أحد يمنعه، وثقته بالناس وثقته باللباس الواقي من الرصاص، لكن الله عز وجل هو الذي يحرك الناس.
قال لي أحد الطيارين: بينما أنا أركب الطائرة في تدريب إذ نظرت إلى القاهرة، فإذا أعلى عمارة في القاهرة أقل من هذا البنان، والناس يمشون كالنمل على الأرض.
قلت: كم كان ارتفاع الطائرة عن الأرض؟ قال: اثنان أو ثلاثة أو أربعة من الكيلو مترات؟ إذا كنت بهذا الارتفاع القصير ترى هؤلاء الناس بما فيهم من كفر وجحود وعناد وظلم تراهم كالنمل ليس لهم وزن، فكيف يرى ربنا من فوق سبع سماوات هذا البشر؟ كالنمل التي تتحرك على الأرض، فيهم الشر كله وفي بعضهم خير، وهذا الجيش الذي يحمي كان هو الآفة بالنسبة للذي يحتمي به، وكذلك يعطي الله الآيات للناس لعلهم يتفكرون، أي رجل يأتي بعد ذلك لن يكون أقوى من فرعون، ولن يكون أغنى من قارون، ولن تنتصر على البشر بقوتك أو بمالك، واعتبر بهؤلاء الذين مضوا.
فالأرض لن تتخلص من كبوتها هذه إلا إذا عاد المسلمون بالذات وليس أي إنسان، إننا نطالب المسلمين أن يسلموا، الذين يخرجون من هذه البلاد يدعون إلى الإسلام في بلاد الكفر كأمريكا أو روسيا نقول لهم: ذوو القربى أولى، هل أسلم أولادكم أولاً حتى تذهبوا؟ قد يفتن الرجل الداعية، والسفر إلى بلاد الكفر محرم إلا لضرورة قصوى، كشيء نافع للمسلمين لابد لهم أن يدرسوه أو يعلموه، فحينئذٍ يجب السفر، لكن أن يسافر ليسكن فهذا لا يجوز.