للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فادعى في القرآن أمرًا يوهم الناس. فإذا سئل الجاهل عن القرآن: هو الله أو غير الله؟ فلابد له من أن يقول بأحد القولين.

فإن قال: هو الله. قال له الجهمي: كفرت. وإن قال: هو غير الله. قال: صدقت، فلم لا يكون غير الله مخلوقًا؟ فيقع في نفس الجاهل من ذلك ما يميل به إلى قول الجهمي.

وهذه المسألة من الجهمي من المغاليط، فالجواب للجهمي إذا سأل فقال: أخبرونا عن القرآن: هو الله أو غير الله؟ قيل له: وإن الله -جل ثناؤه- لم يقل في القرآن: إن القرآن أنا، ولم يقل: غيري، وقال هو كلامي فسميناه باسم سماه الله به. فقلنا: كلام الله، فمن سمى القرآن باسم سماه الله به كان من المهتدين، ومن سماه باسم غيره كان من الضالين١.

وقد فصل الله بين قوله وبين خلقه، ولم يسمه قولا، فقال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤] .

فلما قال: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ} لم يبقَ شيء مخلوق إلا كان داخلاً في ذلك، ثم ذكر ما ليس بخلق، فقال: {والأمر} . فأمره هو قوله، تبارك رب العالمين أن يكون قوله خلقًا.

وقال: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: ٣، ٤] ثم قال القرآن: {أمرًا مِنْ عِنْدِنَا} [الدخان: ٥] .


١ انظر: الإبانة: "١٧٨/٢، ١٧٩".

<<  <   >  >>