وبعث له رسول الله صلّى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة بن قيس، وكتب له: بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله النبيّ إلى كسرى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى، وآمن بالله ورسوله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أدعوك بدعاية الله عزّ وجل فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّا ويحق القول على الكافرين، فأسلم تسلم، فإن أبيت فإن إثم المجوس عليك.
فلما قرأ الكتاب شقّه، وقال: يكتب إليّ بهذا وهو عبدي! فبلغ الخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال: «مزّقه مزّق الله ملكه» أو قال: «اللهم مزّقهم كل ممزّق»(١).
ثم كتب كسرى إلى باذان، وهو على اليمين: أن أبعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين جلدين يأتياني به. فبعث باذان قهرمانه- وكان كاتبا حاسبا، وهو بابومة، وبعث معه برجل من الفرس، وكتب معهما إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، يأمره أن ينصرف معهما إلى كسرى، وقال لبابومة: ويلك! انظر من الرجل، وكلّمه، وائتني بخبره. فخرجا حتى قدما الطائف، فسألا عنه فقالوا: هو بالمدينة، واستبشر أهل الطائف، وقالوا: نصب له كسرى، كفيتم الرجل، فخرجا حتى قدم المدينة على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكلّمه بابومة وقال:
إنّ شاهنشاه ملك الملوك كسرى كتب إلى باذان يأمره أن يبعث إليك من يأتيه بك، وقد بعثني إليك لتنطلق معي، فإن فعلت كتبت فيك إلى ملك الملوك بكتاب ينفعك، ويكفّ عنك به، وإن أبيت فهو من قد علمت، وهو مهلكك ومهلك قومك، ومخرّب بلادك.
فقال لهما: ارجعا حتى تأتياني غدا.
وأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم الخبر أن الله تعالى قد سلّط على كسرى ابنه شيرويه، فقتله في ليلة كذا في شهر كذا، بعد ما مضى من الليل كذا سلّط الله عليه ابنه، فقتله. فقالا: هل تدري ما تقول؟ فإنا قد خفنا منك ما هو أيسر من هذا، أفنكتب به عنك ونخبر الملك؟
قال: نعم، أخبراه ذلك عني وقولا له: إن ديني وسلطاني سيبلغ ما بلغ ملك كسرى، وقولا له: إن أسلمت أعطيتك الناس تحت يدك، وملّكتك على قومك من الأبناء. فخرجا من عنده حتى قدما على باذان، فأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا بكلام ملك، وإني لأرى الرجل نبيّا، فإن كان ما قال حقا، فهو نبيّ مرسل، فإن لم يكن فسأرى فيه رأيا.
فلم يلبث أن قدم عليه كتاب شيرويه، وفيه: أمّا بعد، فإني قد قتلت كسرى ولم أقتله إلا غضبا لفارس، ممّا كان استحلّ من قتل أشرافهم؛ فإذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممّن قبلك، وانظر إلى الرجل الذي كتب لك فيه، فلا تهجه حتى يأتيك أمري فيه، فقال باذان: إنّ هذا الرجل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، فأسلم وأسلمت الأبناء من فارس.
(١) أخرجه البخاري في العلم باب ٧، والجهاد باب ١٠١، والمغازي باب ٨٢، والآحاد باب ٤، وأحمد في المسند ١/ ٢٤٣، ٣٠٥.