للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الأدباء: كان رجل من أهل الأدب، قد ذهب عقله بالمحبّة، [وخلفه دابة تدور معه، فاستوقفته] وقلت له: يا أبا فلان، ما حالك، وأين النعمة؟ قال: تغيّر قلبي بالحبّ فتغيرت النعمة، ثم بكى وأنشأ يقول: [البسيط]

أرى التجمّل شيئا لست أحسنه ... وكيف أخفى الهوى والدّمع يعلنه

أم كيف صبر محبّ قلبه دنف ... الشوق ينحله والهجر يحزنه

وإنه حين لا وصل يساعفه ... يهوى السلوّ، ولكن ليس يمكنه

وكيف ينسى الهوى من أنت فتنته ... وفترة اللحظ من عينيك تفتنه

فقلت: أحسنت والله، فقال: قف قليلا، فو الله لأطرحنّ في أذنيك أدبا أثفل من الرصاص، وأخفّ على الفؤاد من ريش النعام، فوقفت، فأنشد: [البسيط]

للحبّ نار على قلبي مضرّمة ... لم تبلغ النّار منها عشر معشار

الماء ينبع منها في محاجرنا ... يا للرّجال لماء فاض من نار!

وأنشد أيضا: [المتقارب]

أعاد الصدود فأحيا الغليلا ... وأبدى الجفاء فصبرا جميلا

وأحسب نفسي على ما ترى ... ستلقى من المهجر غمّا طويلا

وأحسب قلبي على ما بدا ... سيذهب مني قليلا قليلا

قال الحسن بن هانئ: رأيت مانيا الموسوس فأنشدني: [الخفيف]

شعر حيّ أتاك من لفظ ميت ... صار بين الحياة والموت وقفا

قد برت جسمه الحوادث حتّى ... كاد عن أعين البريّة يخفى

لو تأمّلتني لتبصر شخصي ... لم تبيّن من المحاسن حرفا

ثم أتيت جعيفران الموسوس، وهو شيخ كبير من بني هاشم، عليه قطيفة، وفي عنقه غلّ من ذهب، فقال: من أين جئت يا حسن؟ فقلت: من بيت مانوية: فقال: في حر أم مانوية! وقال لي اكتب: [البسيط]

ما غرّد الديك ليلا في تنبّهه ... إلا حثثت إليك السّير مجهودا

ولا هدت كلّ عين لذّ راقدها ... بنومة في لذيذ العيش ممهودا

إلا امتطيت الدّجى شوقا إليك ولو ... أصبحت في حلق الأقياد مصفودا

أسعى مخاطرة بالنّفس يا أملي ... والليل مدّرع أثوابه السّودا

فلم ترقّ ولم ترث لذي دنف ... زودته حرقات القلب تزويدا

هيهات لا غدر في جنّ ولا بشر ... من الخلائق إلا فيك موجودا

<<  <  ج: ص:  >  >>