للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كلّ معدن، ولا يفقد معه وجه العديم، ولا يثقل اليد، ولا يرتفع في السّوم.

وكان سليمان إذا شرب في إناء كلحت في وجهه مردة الجنّ، فعلّمه الله تعالى صنعة القوارير، فحسم عن نفسه تلك الجراءة. ومن كرع فيه فكأنّما كرع في إناء من ماء وهواء ونور، وقد تقدح النار من كسر قنّينة الزجاج إذا كان فيها ماء لأنّ طبع الزجاج والماء، والهواء والشمس واحد، وليس فيما يدور الفلك عليه أقبل لكلّ صبغ منه وأجدر ألّا يفارقه؛ حتى كأن ذلك الصّبغ جوهرية فيه. ومتى سقط عليه ضياء أنفذه إلى الجانب الآخر، وأعاره لونه، فإن كان الجام ذا لونين، أراك الوشي أحسن من وشى صنعاء، ومن ديباج تستر وإذا وقع شعاع المصباح على جوهر الزّجاج صار المصباح والقنديل مصباحا واحدا، وردّ الضياء كل واحد منهما على صاحبه.

واعتبروا ذلك بالشّعاع الذي يسقط على المرآة على وجه الماء، أو على الزجاج، ثم انظروا كيف يتضاعف نوره، وإن كان سقوطه على عين إنسان أعشاه وربما أعماه، قال الله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ [النور: ٢٥]، والزيت في الزجاجة نور على نور. قال الله تعالى: إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوارِيرَ [النمل: ٤٤].

وقال تعالى: وَأَكْوابٍ كانَتْ قَوارِيرَا قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ [الإنسان: ١٥] فاشتق اسما للفضة منها.

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لحادي بإبله: «يا أنيس ارفق بالقوارير» (١)، فاشتقّ للنساء اسما منه. وقدوره أطيب طعاما من قدور الحجارة، وهي لا تصدأ، وإن اتسخت فالماء وحده لها جلاء، ومتى غسلت عادت جددا.

واسم الذهب يتطيّر منه، وإن سقط عليك قتلك. ومن لؤمه سرعته إلى بيوت اللئام، وإبطاؤه عن بيوت الكرام؛ وهو من مصائد الشيطان، ولذلك قالوا: أهلك الرّجال الأحمران، وهو فتّان قتّال لمن أصابه.

فلم يبق في المجلس أحدا إلا تحيّر من ذلك وتعجّب من بلاغته وحسن بديهته، واحتجاجه في معارضته من غير رويّة، وأيقن أنه ليس دون اللسان حاجز، وأنّه مخراق يذهب في كلّ فنّ، فإذا صح العقل صحّ تقويم اللسان.

قوله «القطائف»، هي ما يجنى من الثمار، يريد بها الحلوى التي حرّمهم أكلها والرتق: السدّ والإغلاق وهو ضد الفتق، ويقال: هو الفاتق الراتق، أي هو مالك لأمر، فهو يفتح ويغلق ويضيق ويوسع. ورتق: ضمّ وجمع، وامرأة رتقاء: لا يصل إليها


(١) روي بطرق وأسانيد متعددة أخرجه البخاري في الأدب باب ١١٦، وأحمد في المسند ٣/ ١٧٢.
بلفظ: «ارفق يا أنشجة ويحك بالقوارير».

<<  <  ج: ص:  >  >>