للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها على الرغم من نجاستها وذلك على نحو معين ككلب الحراسة والصيد مثلاً. فإن نجاسة هذه الأشياء تمنع أكلها لا بيعها أو استخدامها بعد تطهيرها، فالمحرم عند أكثر العلماء إنما هو الانتفاع المباشر بالنجس من الميتة ونحوها.

أما البيع فالقاعدة أَنَّ كل ما ينتفع به يصح بيعه وما لا فلا وهكذا فهم بعض العلماء كابن حجر العسقلاني١ ومن وافقه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما حرم أكلها" وقالوا إنه يدل على أن ما عدا أكلها فهو مباح، وهؤلاء فسروا كلمة "حرام" بحرمة الانتفاع، وقالوا يحرم الانتفاع بالميتة إلا ما خص بالدليل وهو الجلد المدبوغ، وهذا قول أكثر العلماء، خلافاً لتفسير بعض العلماء كالشافعي ومن وافقه للحرمة بأنها حرمة البيع٢.

فنجاسة هذه الأشياء تجعل الانتفاع بها ممتنعا إلا بدليل، فإذا توفر الدليل الذي يسوغ الانتفاع بها بغير الأكل فإن ذلك يعني جواز اقتنائها وتبادلها.

وإنه ليس بالضرورة أن تكون عله النهي عن بيع هذه الأشياء هي النجاسة دائماً لأن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن٣ –مثلاً– حرم من أجل الضلال والفساد وأن القدر المشترك بين هذه الثلاثة ليس النجاسة، غير أن هذا مقدر فيه، وذلك بمراعاة أن اقتناء أي نجس أمر غير مرغوب فيه وغير جائز، إلا إذا كانت هناك


١ هو أحمد بن علي بن شهاب الدين أبو الفضل الكناني العسقلاني، المصري المولد والمنشأ والوفاة، الشهير بابن حجر، نسبته إلى آل حجر، قوم يسكنون بلاد الجديد، وأرضهم قابس في تونس من كبار الشافعية، كان محدثاً فقهياً مؤرخاً ارتحل إلى بلاد الشام وغيرها، تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه، ودرس في عدة أماكن وولى مشيخة البيبرسية ونظرها والإفتاء بدار العدل والخطابة بجامع الأزهر وتولى القضاء، توفي رحمه الله سنة ٨٥٢? من مصنفاته فتح الباري شرح صحيح البخاري ولسان الميزان وتهذيب التهذيب وتقريب التهذيب راجع: الأعلام للزر كلي ١/١٧٨، ومعجم المؤلفين لعمر كحالة ١/٢١٠.
٢ المجموع للنووي ٩/٢٣٤، والشرح الصغير للدردير ٣/٢٢
٣ الحلوان: -بالضم- العطاء، وهو اسم من حلوته أحلوه، والحلوان: أن يأخذ الرجل من مهر ابنته شيئا، وكانت العرب تعير من يفعله، وحلوان المرأة مهرها، وحلوان الكاهن أجرته. المصباح المنير للفيومي صفحة ١٤٩، لسان العرب لابن منظور ٣/٣١٠.

<<  <   >  >>