للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مع أنّ عيسى عليه السلام الذي نسبوا إليه هذه الدعوى لم يتكلم ولا تعرض لذكر هذه القضية في جميع تعاليمه على الإطلاق١، لا بل إنه تكلم بما يضاد هذا الاعتقاد عن لعازر: أن الملائكة نقلته إلى حضن إبراهيم، وإبراهيم قد أفاد عنه عيسى ههنا بأنه هو نفس النعيم٢.


١ جزى الله المصنف خيراً، فإنه قد هدم بكلامه هذا أصلاً من أهم أصول الديانة النصرانية، وهي دعوى الصلب تكفيراً لخطيئة آدم، فإن من المتيقن والمعلوم أن المسيح وحسب رواياتهم عنه لم يذكر ولا مرة واحدة أنه جاء تكفيراً لتلك الخطيئة، وأن أول من ذكر ذلك هو أغسطينوس المتوفى عام ٤٣٠م، وقد بنى قوله على كلام بولس الذي يقول فيه: ((بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم)) . وقد عارضه في ذلك الوقت بيلاجيوس الإيرلندي، وأنكر أن خطيئة آدم ورثها أبناؤه، بل خطيئة كل إنسان تخصه وحده، وتقع عليه وحده دون غيره. وبعد نقاش وجدل طويل تدخل امبراطور بيزنطة، وأصدر مرسوماً يدين فيه بيلاجيوس، ويأمر بنفي من ينادي بتعاليمه. وهكذا ثبتت مقولة أغسطينوس في مسألة خطيئة آدم، مع أنها بدعة لا أساس لها في الأناجيل. انظر: تاريخ الكنيسة لجون لوريمر ٣/٢٠١-٢٠٧.
٢ لوقا ١٩:١٦ ونصه ((كان إنسان غني ... وكان مسكين اسمه لعازر الذي طرح عند بابه مضروباً بالقروح. فمات المسكين وحملته الملائكة إلى حضن إبراهيم ومات الغني أيضاً ودفن فرفع عينيه في الجحيم وهو في العذاب ورأى إبراهيم من بعيد ولعازر في حضنه، فنادى وقال: ياأبي إبراهيم ارحمني وأرسل لعازر ليبل طرف أصبعه بماء ويبرد لساني لأني معذب في هذا اللهيب، فقال إبراهيم يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا، والآن هو يتعزى وأنت تتعذب به)) . وهذا رد قوي مفحم من ناحية إثبات النجاة لرجل بسبب ما حل به من البلاء، وأنه مع إبراهيم بالنعيم، والآخر إنما عذب بسبب أكله طيباته في الحياة الدنيا، ففداء المسيح الناس من خطيئة آدم لم يكن له دور في نجاة من نجا ولاهلاك من هلك.

<<  <   >  >>