للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

صاحب الكرم الموعود به من عيسى، هو غير عيسى الواعد به، ومن المحقق أنه من بعد مجئ عيسى عليه السلام ما جاء غير نبينا صلى الله عليه وسلم صاحب الشريعة الغرّاء.

ومن قوله: "إذا جاء" أن المسيح يقصد شخصاً آخر غير شخصه، ومجيئه مستقبلاً، وحيث إن الله تعالى بحسب ذاته العلية لا ينتقل من مكان إلى مكان من كونه حاضراً في كل مكان١، فلزم أن يكون المجيئ [المقول


١ قول المصنف "إن الله لا ينتقل من مكان ... إلخ" يحتاج إلى تعليق وتقييد، فإنه قد ثبت بالأدلة الشرعية أن الله تعالى ينزل في كل ليلة إلى سماء الدنيا، فقد روى البخاريأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا". انظر البخاري مع الفتح ٣/٣٥ كتاب التهجد.
كما ورد في القرآن الكريم إتيانه يوم القيامة ومجيئه، وفي ذلك يقول جل وعلا {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} (البقرة ٢١٠) ، وقال {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر٢٢) . فهذه الأدلة تدل على أن الله يأتي ويجيء وينزل، فإذا قصد المصنف نفي مثل ذلك بقوله السابق فقوله خطأ، وإذا قصد غير ذلك فإن الأولى التوقف وعدم نفي شيء إلا بدليله الشرعي، حتى لانكون متقولين على الله عز وجل ما لاعلم لنا به، وقد قال جل وعلا {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء (٣٦) . أما قوله "من كونه حاضراً في كل مكان" فإن قصد بعلمه وسمعه وبصره وتدبيره فهو حق، وإن قصد بأن الله بذاته في كل مكان، فهو باطل غير صحيح، لأن الدليل دل على أن الله فوق سماواته على عرشه. قال جل وعلا {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} طه (٥) .

<<  <   >  >>