للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون قَانِتًا عابدًا مسيئًا لعباد الله.

- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ -يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا- غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: «هِيَ فِي النَّارِ»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِنَّ فُلَانَةَ -يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا- وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا؟ قَالَ: «هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (١).

«بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ» أي: بقطع منه جمع ثور بالمثلثة وهو قطعة من الأقط ذكره الجوهري (٢).

وفي ذلك ومثله يقول ابن مسعود رضي الله عنه: «لَا تَنْفَعُ الصَّلَاةُ إِلَّا مَنْ أَطَاعَهَا» ثُمَّ قَرَأَ عَبْدُ اللهِ: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: ٤٥] (٣).

فَإن الصلاة الصحيحة أثمرت الكف والانتهاء عن رذائل الأخلاق ومنكراتها، والصلاة ثمرة من ثمار صحة المعتقد، لأن العقيدة هي الدافع لأداء الصلاة، وأنه لا صلاة تامة إلا بأخلاق حميدة، ولهذا تصبح مكارم الأخلاق ثمرة من ثمار العقيدة، وهذا كله يدل على التلازم بين جوانب التربية جميعًا، عقيدة وعبادة وأخلاقًا سلوكًا.

فإذا لم يكن ثَمَّ عقيدة صحيحة تدفع لأداء العبادة على الوجه المشروع وتحث عليها وتُقَوِّمُ بها الأخلاق وتُصلح ما اختل منها وما أعتل، فلا عبادة ومن ثَمَّ فلا أخلاق، وهذا مما يؤيد ويعاضد من أوجه الترابط والتواثق والتلازم بين تلك الجوانب جميعًا.

وقد مرَّ معنا كثيرًا في طيات البحث الكلام عن مكارم الأخلاق، وأنها غاية من أعظم الغايات التي بُعث النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لتحسينها وإتمامها وإكمالها.

وحينما يعبر النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المقصد من مبعثه وبيان الغاية منه بأداة تفيد الحصر وهي كلمة


(١) رواه أحمد في المسند (٢/ ٤٤٠)، وصححه المنذري في الترغيب والترهيب (٣/ ٣٢١)، والألباني في السلسلة الصحيحة (رقم: ١٩٠).
(٢) وينظر: مرقاة المصابيح شرح مشكاة المصابيح، للهروي، كتاب الآداب: كتاب الشفقة والرحمة على الخلق (ص ٣١٢٧).
(٣) مصنف ابن أبي شيبة (١٣/ ٢٩٨).

<<  <   >  >>