للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالتطاول والتعالي، ودك للأرض تطاولًا واستعلاء على الخلق، وهذه المشية يبغضها الله ويمقت صاحبها؛ لأنها مشية المتجبرين والمتكبرين والمتعالين الذين يحتقرون الناس.

يبين ذلك ويوضحه قول القرطبي: «{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨] هذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع. والمرح: شدة الفرح، وقيل: التكبر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره، وقال قتادة: هو الخيلاء في المشي، وقيل: هو البطر والأشر، وقيل: هو النشاط، وهذه الأقوال متقاربة» (١)

وما ذكره القرطبي حول معنى المرح، معانيه متقاربة ومتشابهة، وقد تجتمع كلها في آن واحد، فالمَرِح في مشيه- يمشي في زهو وخيلاء تصحبه حالة من البطر والأشر في قوة ونشاط، قاصدًا بذلك التكبر والتعالي على الناس.

ويقول الزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي: «لن تجعل فيها خرقًا بدوسك لها وشدة وطأتك بتطاولك، وهو تهكم بالمختال» (٢). والمشي مرحًا يندرج تحته كل محرم يؤدي إليه.

وفي ذلك يقول العلامة الشنقيطي: «واستدل بعض أهل العلم بقوله تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا} [لقمان: ١٨] على منع الرقص وتعاطيه؛ لأن فاعله ممن يمشي مرحًا» (٣).

و بنحو من ذلك يقول الزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي أيضًا: «ولا يضربون بأقدامهم، ولا يخفقون بنعالهم أشرًا وبطرًا» (٤).

ولا شك أن متعاطي الرقص يفعل ذلك، ولعل كلام الشنقيطي مُستقى من فحوى كلام الزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي، وذلك لأمرين:

أولًا: لتقدم الزَّمَخْشَرِيُّ المعتزلي زمانًا.

ثانيًا: لتشابه المعنيين إن لم يتفقا على وصف من يتعاطى الرقص.


(١) القرطبي (١٠/ ٢٣٥).
(٢) الكشاف (٢/ ٦٤١).
(٣) أضواء البيان (٣/ ١٥٧).
(٤) الكشاف (٣/ ٢٨٣).

<<  <   >  >>