للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فشيئا وقليلا قليلا. يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب، يقرب له في شرحها على سبيل الإجمال، ويراعي في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي إلى آخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكة في ذلك العلم إلا أنها جزئية ضعيفة. وغايتها أنها هيأته لفهم الفن، وتحصيل مسائله. ثم يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة إلى أعلى منها، ويستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الإجمال ويذكر أن له ما هناك من الخلاف ووجهه إلى أن ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته. ثم يرجع به وقد شدا فلا يترك عويصا ولا مبهما ولا مغلقا إلا وضحه وفتح له مقفله فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته. هذا وجه التعليم المفيد وهو كما رأيت إنما يحصل في ثلاث تكرارات. وقد يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه".

ويعيب ابن خلدون على المعلمين الذين يجهلون الطريقة الصحيحة للتعليم أنهم يقدمون للمتعلم في أول عهده بالتعليم المسائل الصعبة أو المشكلة مما يعوق تعليمه. يقول ابن خلدون:

"وقد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا يجهلون طرق التعليم وإفادته ويحضرون للمتعلم في أول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه ... فإن قبول العلم والاستعدادات لفهمه تنشأ تدريجيا. ويكون المتعلم في أول الأمر عاجزا عن الفهم بالجملة إلا في الأقل، وعلى سبيل التقريب والإجمال بالأمثلة الحسية.

عدم إطالة الفواصل الزمنية بين الدروس:

نادى ابن خلدون بعدم إطالة الفواصل الزمنية بين دروس العلم الواحد حتى لا ينسى المتعلم ما سبق أن درسه.

<<  <   >  >>