يكرر ابن خلدون ما أكده سابقوه من الرفق بالمتعلم لأن الشدة مضرة به، وقد بين ضرر الشدة على المتعلم وما يترتب عليه من آثار ضارة فتسلمه إلى التبلد والكذب والخبث. ويقول ابن خلدون "المقدمة ص٥٠٨-٥١٩":
"ومن أحسن مذاهب ما تقدم به الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين فقال: "يا أحمد إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه وثمرة قلبه. فصير يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة، فكن له حيث وضعك أمير المؤمنين. أقرئه القرآن وعرفه الأخبار، وروه الأشعار، وعلمه السنن، وبصره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، واخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجلس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمر بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها، من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه. وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة.
التدرج في التعليم:
نادى ابن خلدون بما نادى به سابقوه من مراعات التدرج في تعليم الصبيان ومراعاة قدراتهم. إلا أنه يتميز عن سابقيه فيما ذهب إليه بالقول مبدأ التكرارات الثلاثة في عملية التعليم. وتشير هذه التكرارات إلى ثلاث مراحل متدرجة في التعليم.
يكون التعليم في المرحلة الأولى إجمالا وفي الثانية تفصيلا وفي الثالثة تعميقا بدراسة ما استشكل في العلم ووسائل الخلاف فيه. ويقول ابن خلدون في ذلك:
"إن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان على التدرج شيئا