بأن لا بد في تحصيله من الرجال". "إن أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين منه على الكمال والتمام". ويقول الشاطبي:
"وإذا ثبت أنه لا بد من أخذ العلم عن أهله فلذلك طريقتان: أحدهما المشافهة وهي أنفع الطريقتين وأسلمهما لأن كثيرا من مسائل العلم يقرؤها المتعلم في كتاب ويحفظها ويرددها على قلبه فلا يفهمها فإذا ألقاها إليه المعلم فهمها بغتة، وحصل له العلم بها بالحضيرة، وبه من فوائد مجالسة العلماء إذ يفتح للمتعلم بين أيديهم ما لا يفتح له دونهم.. ويبقى ذلك النور لهم بمقدار ما بقوا في متابعة معلمهم وتأدبهم معه واقتدائهم به. فهذا الطريق نافع على كل تقدير.
ثانيهما: مطالعة كتب المصنفين ومدوني الدواوين. هو أيضا نافع في بابه لأن المتعلم يحصل له فهم مقاصد العلم ومعرفة اصطلاحات أهله وما يتم له به النظر في الكتب. وذلك يحصل بالطريق الأول من مشافهة العلماء أو مما هو راجع إليه. وهذا معنى قول من قال:"كان العلم في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب ومفاتيحه بأيدي الرجال". والكتب وحدها لا تفيد الطالب كثيرا دون فتح العلماء لأسرارها بالشرح والتعليق. وعلى المعلم أن يتحرى كتب المتقدمين من أهل العلم المراد فإنهم أقعد به من غيرهم من المتاخرين "أبو إسحاق الشاطبي: ج١ ص٥١".
وبالنسبة للعوامل التي تؤثر على مكانة المعلمين فمن المعروف أن المكانة الاجتماعية للمعلمين تتحدد بكثير من العوامل، منها مقدار ما يأخذه من أجر ومنها سن التلاميذ الذين يعلمهم. فكلما زادت سن التلميذ زادت مكانة الأستاذ فمعلم الصبية أقل من معلم الفتيان. ومنها أيضا الطبقة الاجتماعية للتلاميذ. فإذا كان التلاميذ الذين يعلمهم المعلم من طبقة أعلى زادت قيمته، فمعلم أولاد العامة أقل من معلم أولاد الخاصة. وفي ذلك يقول الجاحظ في البيان والتبيين "ج١ ص١٤٠-١٤١""والمعلمون عندي على ضربين، فمنهم رجال ارتفعوا عن تعليم أولاد العامة إلى تعليم أولاد الخاصة فإلى تعليم أولاد الملوك أنفسهم المرشحين للخلافة فإن ذهبوا إلى معلمي كتاتيب القرى فإن لكل قوم حاشية وسفلة فما هم في ذلك إلا كغيرهم ... ".