المثل "أحمق من معلم كتاب" فقال: "وكيف نظن الظنون بمعلمي الكتاب جميعا وفيه الفقهاء والشعراء والخطباء مثل الكميت بن زيد وعبد الحميد الكاتب وقيس بن سعد، وحسين المعلم وأبي سعيد المعلم. وما كان عندنا بالبصرة رجل أدرى بصنوف العلم ولا أحسن بيانا من أبي الوزير وأبي عدنان المعلمين".
وقد كان الحجاج بن يوسف الثقفي معلم كتاب وهو الخطيب المفوه والسياسي المحنك صاحب الفضل في إرساء قواعد الدولة الأموية. ولا ينكر الجاحظ وجود عناصر سيئة بين المعلمين وهو يبرر ذلك بقوله:"ففي كل طائفة أشرافها وسفلتها فلا يدفعنا ذلك إلى إطلاق الحكم على الطائفة بأسرها بسوء الخلق وصغار النفس والحمق".
ويجب أن نميز بين معلمي الكتاب ومعلمي المساجد والمدارس والمؤدبين الذين كانوا يؤدبون أبناء الحكام والأمراء. ومن المؤدبين المشهورين المفضل الضبي الذي كان مؤدبا للمهدي العباسي والكسائي مؤدب الأمين والفراء مؤدب ابن المعتز. وكان هؤلاء المؤدبون يحصلون على أجور مرتفعة ويغدق عليهم الهبات والعطايا من جانب الخلفاء والأمراء، ولهذا كان يحيون حياة رخاء. في حين أن أجور معلمي الكتاب كانت بسيطة متواضعة. ويمكن القول بصفة عامة أن أجور المعلمين بصفة عامة كانت متفاوتة وتتوقف على قيمتهم ومكانتهم العلمية.
ويستمد المعلم مكانته وأهميته من تأثيره على تلاميذه، ذلك أن للعلم تأثيرا كبيرا في نفوس الصبيان، فهو قدوة لهم يتأثرون به وبشخصيته. وقد روى الجاحظ من كلام عقبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده قوله:
"يكون أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك فإن أعينهم معقودة بعينك فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت".
ويستمد المعلم أهميته من دوره في العملية التعليمية، وإذا كان الناس قد اختلفوا حول إمكانية حصول العلم بدون المعلم فإن الواقع في مجاري العادات أن لا بد من المعلم كما يقول الشاطبي في "الموافقات" وقد قالوا: إن العلم كان في صدور الرجال ثم انتقل إلى الكتب وصارت مفاتيحه بأيدي الرجال، وهذا يقضي