يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، فَتَقُولُ لَهُمْ: "قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ وَهُوَ ابْنُك يَا فُلَانُ" فَتُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ مِنْهُمْ بِاسْمِهِ فَيُلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا وَنِكَاحٌ رَابِعٌ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْنَعُ مَنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ رَايَاتٍ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ يَكُنَّ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ فَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِاَلَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَهُ وَدَعَا ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدَمَ نِكَاحَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إلَّا نِكَاحَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْيَوْمَ. فَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" أَنَّ الْأَنْسَابَ قَدْ كَانَتْ تُلْحَقُ بِالنُّطَفِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَيْرِ فِرَاشٍ، فَأَلْحَقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِرَاشِ; وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي قِصَّةِ زَمَعَةَ حِينَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" فَلَمْ يُلْحِقُهُ بِالزَّانِي، وَقَالَ: هُوَ لِلْفِرَاشِ، إخْبَارًا مِنْهُ أَنَّهُ لَا وَلَدَ لِلزَّانِي وَرَدَّهُ إلَى عَبْدٍ; إذْ كَانَ ابْنُ أَمَةِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ لَسَوْدَةَ: "احْتَجِبِي مِنْهُ" إذْ كَانَ سَبَبَهَا بِالْمُدَّعَى لَهُ; لِأَنَّهُ فِي ظَاهِرِهِ مِنْ مَاءِ أَخِي سَعْدٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِي نَسَبِهِ بِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ قَضَى بِالنَّسَبِ لَمَا أَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ بَلْ كَانَ أَمَرَهَا بِصِلَتِهِ وَنَهَاهَا عَنْ الِاحْتِجَابِ عَنْهُ كَمَا نَهَى عَائِشَةَ عَنْ الِاحْتِجَابِ عَنْ عَمِّهَا مِنْ الرِّضَاعَةِ وَهُوَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ. وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِي نَسَبِهِ بِشَيْءٍ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيِّ وَجَرِيرُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَتْ لِزَمْعَةَ جَارِيَةٌ تُبْطِنُهَا وَكَانَتْ تَظُنُّ بِرَجُلٍ آخَرَ، فَمَاتَ زَمَعَةٌ وَهِيَ حُبْلَى، فَوَلَدَتْ غُلَامًا كَانَ يُشْبِهُ الرَّجُلَ الَّذِي يُظَنُّ بِهَا، فَذَكَرَتْهُ سَوْدَةُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "أَمَّا الْمِيرَاثُ لَهُ وَأَمَّا أَنْتِ فَاحْتَجِبِي مِنْهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَك بِأَخٍ" فَصَرَّحَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِنَفْيِ نَسَبِهِ مِنْ زَمْعَةَ وَأَعْطَاهُ الْمِيرَاثَ بِإِقْرَارِ عَبْدٍ أَنَّهُ أَخُوهُ. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ، وَهُوَ مَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أبو داود قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَنْصُورٍ وَمُسَدَّدُ بْنُ مُسَرْهَدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: أَوْصَانِي أَخِي عُتْبَةُ إذَا قَدِمْت مَكَّةَ أَنْ أَنْظُرَ إلَى ابْنِ أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضُهُ فَإِنَّهُ ابْنُهُ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زُمْعَةَ: أَخِي ابْنُ أَمَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي; فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ" زَادَ مُسَدَّدٌ: فَقَالَ: "هُوَ أَخُوك يَا عَبْدُ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالزِّيَادَةُ الَّتِي زَادَهَا مُسَدَّدٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهَا، وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْأَلْفَاظِ أَنَّهُ قَالَ: "هُوَ لَك يَا عَبْدُ"، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَثْبَتَ النَّسَبَ; لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ إثْبَاتَ الْيَدِ لَهُ; إذْ كَانَ مَنْ يَسْتَحِقُّ يَدًا فِي شَيْءٍ جَازَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ فَيُقَالُ هُوَ لَهُ، وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِلْيَهُودِ حِين خَرَصَ عَلَيْهِمْ تَمْرَ خَيْبَرَ: "إنْ شِئْتُمْ فلكم وإن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute