للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: "مخضبا" لأن الكفّ في المعنى عضو.

والحمل على المعنى أكثر في كلامهم من أن يُحْصَى، فكذلك ههنا.

وأما الجواب عن كلمات الكوفيين: أما قولهم: "إن علامة التأنيث إنما دخلت للفصل بين المذكر والمؤنث، ولا اشتراك بين المذكر والمؤنث في هذه الأوصاف" قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه:

أحدهما: أن هذا يبطل بقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: ٢] ولو كانت علامة التأنيث إنما تدخل للفصل بين المذكر والمؤنث لكان ينبغي أن لا تدخل ههنا؛ لأن هذا وصف لا يكون في المذكر، فلما دخلت دلَّ على فساد ما ذهبوا إليه.

والوجه الثاني: أنه لو كان سبب حذفه علامة التأنيث من هذا النحو وجود الاختصاص وعدم الاشتراك لوجب أن لا يوجد الحذف مع وجود الاشتراك وعدم الاختصاص في نحو قولهم "رجل عاشق، وامرأة عاشق" و"رجل عانس،


= المشهور أنه من التأسف لقطع يده، وقيل: بل هو أسير قد كبلت يده، ويقال: قد جرحها الغلّ، والقول الأول هو المجتمع عليه" ا. هـ. والكشح -بفتح الكاف وسكون الشين وآخره حاء مهملة- من الخاصرة إلى الضلع الخلف، والكف: اليد، وهي مؤنثة بدليل قول
بشر بن أبي خازم:
له كفان كف كف ضر ... وكف فواضل خضل نداها
فأعاد الضمير عليها في قوله "نداها" مؤنثا، ومحل الاستشهاد من هذا البيت في هذا الموضع قوله: "كفا مخضّبا" فإن الظاهر أن قوله: "مخضبا" نعت لقوله: "كفا" ومخضب وصف مذكر، وقد علمت أن من القواعد المقررة التي لا يختلف فيها أحد أن النعت الحقيقي يجب أن يطابق المنعوت في تذكيره وتأنيثه. ولهذا قال العلماء في بيت الشاهد: إنه ذكر النعت حملا على المعنى، وبيان ذلك أن الكف يطلق عليها لفظ "عضو" والعضو مذكر قال ابن منظور "خ ض ب": "ذكر على إرادة العضو، أو على [حد] قوله:
فلا مزنة ودقت ودقها ... ولا أرض أبقل إبقالها
ويجوز أن يكون صفة لرجل، أو حالًا من المضمر في يضم، أو من المخفوض في كشحيه" ا. هـ. وقال في "ك ف ف": "فأما قول الأعشى:
أرى رجلا منهم أسيفا.... البيت
فإنه أراد الساعد فذكر، وقيل: إنما أراد العضو، وقيل: هو حال من ضمير يضم أو من هاء كشحيه" ا. هـ، فذكر ما ذكره في الموضع الأول إلا أن يكون مخضبا وصفا لقوله رجلا، والخطب في ذلك سهل، فإن جعل قوله مخضبا حالا من الضمير المستتر في يضم أو من الضمير البارز المتصل في قوله كشحيه مثل جعله صفة لقوله رجلا، وكل ذلك أضعف من الحمل على المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>