للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فكان من ذلك، ولأسباب أخرى، أن نشطت حركة النقد، وانتصر جماعة لكل فريق، واختلف الباحثون حول هذه المسألة: أين تقع البلاغة؟ أفي اللفظ أم في المعنى أم فيهما معًا؟ وأي هذين الفريقين من الشعراء أظفر بعمود الشعر، وأجدر بالاحترام؟ وخلاصة ما يحتج به أنصار اللفظ١ أن المعاني معروفة للناس سهلة الإدراك، يكفي أن تكون صحيحة، ولكن البراعة البيانية إنما هي في الألفاظ وصوغ العبارات، وأما أنصار المعاني فيقولون٢: إن المعنى هو المقصود بالأداء، وهو مجال الابتكار، وحسن التصور، واللفظ تابعه في ذلك فجماله من جماله، ويدور جهد عبد القاهر الجرجاني على أن البلاغة في الأسلوب تنتهي إلى نظم الكلام وفق حاجة المعنى، وبذلك تتحقق المطابقة بينهما، ويكتسب اللفظ حسنه بصدق أدائه.

ولكنك عرفت أن هذه المسألة قد فصل فيها الآن، وأن البلاغة تقوم على حسن التعبير كما ترتكز على قيمة التفكير٣.

٤- وعلى الرغم من ذلك فقد وجد من الأدباء من يؤثر اللفظ على المعنى، فيجعله غايته ومتجه عنايته، ويقصد إليه؛ فأما أن يجعله -في الشعر- فخمًا مجلجلًا؛ لا يتناسب مع معناه كابن هانئ الأندلسي حيث يقول:

أصاخت فقالت: وقع أجرد شيظم

وشامت فقالت: لمع أبيض مخذم٤


١ راجع مقدمة ابن خلدون؛ ص٨٥٦، والصناعتين ص٥٥.
٢ راجع دلائل الإعجاز ص٤٠، ٧٠، ٣٠٧، ٣٢٠. طبعة المنار.
٣ صحيفة دار العلوم ج٢ من السنة الثانية ص٣٠ للمؤلف، وفيض الخاطر لأحمد أمين، ص٣٠١.
٤ أصاخت: أصغت. أجرد شيظم: الفرس الفتي، شامت: نظرت، أبيض مخذم: سيف قاطع.

<<  <   >  >>