للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

...................................................................


وهناك فروق بين غضب المخلوق وغضب الخالق، منها:
١. غضب المخلوق حقيقته: غليان دم القلب، وجمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم حتى يفور، أما غضب الخالق; فإنه صفة لا تماثل هذا، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ١.
٢. أن غضب الآدمي يؤثر آثارا غير محمودة; فالآدمي إذا غضب قد يحصل منه ما لا يحمد، فيقتل المغضوب عليه، وربما يطلق زوجته، أو يكسر الإناء، ونحو ذلك، أما غضب الله; فلا يترتب عليه إلا آثار حميدة لأنه حكيم; فلا يمكن أن يترتب على غضبه إلا تمام الفعل المناسب الواقع في محله. فغضب الله ليس كغضب المخلوقين، لا في الحقيقة ولا في الآثار، وإذا قلنا ذلك; فلا نكون وصفنا الله بما يماثل صفات المخلوقين، بل وصفناه بصفة تدل على القوة وتمام السلطان; لأن الغضب يدل على قدرة الغاضب على الانتقام وتمام سلطانه; فهو بالنسبة للخالق صفة كمال، وبالنسبة للمخلوق صفة نقص. ويدل على بطلان تأويل الغضب بالانتقام قوله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} ٢ فإن معنى "آسفونا": أغضبونا; فجعل الانتقام غير الغضب، بل أثرا مترتبا عليه; فدل هذا على بطلان تفسير الغضب بالانتقام.
واعلم أن كل من حرف نصوص الصفات عن حقيقتها وعما أراد الله بها ورسوله; فلا بد أن يقع في زلة ومهلكة; فالواجب علينا أن نسلم لما جاء به الكتاب والسنة من صفات الله تعالى على ما ورد إثباتا بلا تمثيل وتنزيها بلا تعطيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>