القول أن عمل التربية الحديثة هو أن نلائم بين التعليم وبين مقدرة التلاميذ واستعدادهم وأن نبني نظمه على المحيط الذي فيه يعيشون، وأن نزيد ونضيف إلى ثروة ذلك المحيط فإنه لا مناص من أن يستخدم التعليم الريفي مادته من المحيط الريفي ويتلاءم معه وليس معنى هذا أن يقتصر تعليم التلاميذ على المحيط الذي يتفق أنهم يعيشون فيه بل معناه أن يكون التعليم بلغة تدل على معنى عند المتعلمين. . . فالمدرسة الريفية التي لا تكون لها مثلاً قطعة من الأرض وبعض الدواجن من الحيوانات التي يمكن للتلاميذ بواسطتها أن يتفهموا ما يدور حولهم من النشاط لا تكون مدرسة تؤدي عملها. وليس قصدنا من أن نجعل التعليم لهؤلاء التلاميذ مهنياً وإنما نقصد إيجاد العلاقة الواجب قيامها بين المدرسة والمجتمع.
هذا وزيادة على ذلك فإن انصباب الطفل على فعاليات مختلفة خلال هذا السن مما يفجر ينابيع استعداداته الكافية من جهة ومن جهة أخرى فإنها تجعل المعلم المتنبه إلى جميع حركات الطفل وسكناته أن يقدر المشاغل التي تجذب انتباه الطفل والأعمال التي برع ويبرع بها فيسجل ذلك لديه يوماً بيوم وعن كل طفل حتى يكون ذلك كسجل نرى فيه الخط البياني لفعالية الطفل خلال سني دراسته الابتدائية. فاستعدادات الطفل وقابلياته وميوله لا تظهر بصورة واضحة إلا حينما ينصب على تفهم حقائق هذا الوجود بصورة عملية حسية، وإلا إذا أخذت شكلاً مادياً وتبلورت حول أعمال خاصة تسهل علينا معرفة تلك الميول وهذه الاستعدادات.
فنحن نحكم على استعدادات الطفل وقابلياته الكامنة في أعماق ذاته من خلال الفعاليات التي ينصب عليها لتكييف ذاته الباطنية مع كيانها المادي الخارجي.
فالجملة الأميركية التي يطلق عليها اسم (تعليم المعرفة بواسطة العمل لقد وجهت بسهولة في اتجاه مهني أو بالأحرى باتجاه تحضير الطفل تحضيراً عاماً للمهنة التي سينصب على إتقانها في مستقبل أيامه، إذ أنها تسمح للطفل بأن يمرن أعضاءه على العمل وحواسه على الملاحظة فيكتسب بذلك مرونة عامة تنفعه للتكيف بسهولة مع مهنته التي بها سيتخصص في مستقبل أيامه. إن هذه الجملة مستوحاة من نظرية فروبل ولقد غذيت على الأخص بالمذهب العملي الخاص بالأنكلوساكسون ومدار هذه الفكرة أن الطفل بطبيعته ملاحظ وله عاطفة شديدة عن شخصيته ويجد في العمل امتداداً لتلك الشخصية ويحركه إلى