نوجه فعاليتنا العلمية وجهة عملية مسلكية مهنية إلى جانب وجهتنا النظرية هو أن تتبنى الحكومة سياسة تعليمية مسلكية بها تضع برنامجاً عاماً للتعليم تسير بموجبه على أن تصطبغ تلك السياسة بمسحة عملية حتى تتمكن الحكومة من أن تقاوم ذلك التيار الجارف الذي يدفعنا إلى المهن الكلامية وإلى التوظف في دوائر الحكومة. وإني أريد أن أرسم فيما يلي الخطوط الكبرى لتلك السياسة على أن أوفق إلى ذلك ضمن الإمكانيات التي يقدمها لنا العلم وضمن إمكانياتنا الحالية.
إن المبادئ الغزيرة التي يجب أن تقود خطانا في تربيتنا المسلكية يجب أن تستمد وجودها من مبدأين: ١) أن يكون التخصص قائماً على فحص وملاحظة قابليات الفرد واستعداداته وأن لا نعطي لشخص ما مهنة بناء على رغبته الشخصية أو رغبة أوليائه وإنما بناءً على ملاحظات وفحوص طبية ونفسية وفيزيولوجية واجتماعية حتى يتبين لنا من خلالها طابع الشخص الفردي واستعداداته ومواهبه وقابلياته فإذا توصلنا إلى ذلك وجهنا تلك القابليات الفطرية الوجهة التي تلائمها عن طريق المهنة. ٢) أما المبدأ الثاني فهو مشتق من المبدأ الأول وخاضع له وهو مبدأ تكافؤ الفرص وبه نجعل نقطة البدء في الحياة واحدة ومن ثم نجعل الفرص التي نعطيها للشخص الناجح في حياته متكافئة من حيث قيمها، فإذا نحن اطلعنا على خصائص الشخص وقابلياته بصورة محكمة وأعطينا له المهنة التي تتلاءم مع هذه الخصائص نكون قد طبقنا حقاً هذا المبدأ وسمحنا للجميع بأن يظهروا كفاءتهم في حياتهم المقبلة.
وبهذا نرى أن التربية المسلكية إنما تعنى في الدرجة الأولى للتعرف على إمكانيات الطفل ومدى هذه الإمكانيات حتى تعطي للطالب عن طريق المهنة طابعه الشخصي الخاص، والذي له في أعماق ذاته جذور متينة من دوافع وميول واستعدادات وبهذا فالتربية المسلكية تظهر من جهة شخصية الفرد ومن أخرى تسمح له بأن يستعمل شخصه حسب طبائعه الخاصة وضمن حدودها وقد قال بهذا المعنى في كتابه ما يلي: يجب أن يستخدم كل شخص حسب طبائعه الخاصة، إذ أننا بإجهادنا أنفسنا لنحقق المساواة بين الرجال قد محونا الصفات الشخصية التي كانت جداً مفيدة بسعادة كل شخص تتعلق بتألقه التام مع العمل الذي يلائمه.