ومكاسبهم منها، واستمروا على ذلك إلى أن أصبحوا تجار العالم ليس من يجاريهم في جلب الأرباح ومعرفة أساليبها وحساب فوائدها والعمل على أنماء ودرء ما قد يحول دون ذلك. وتأصلت هذه الظاهرة الروحية في أنفسهم ومرت الأجيال وتعاقبت الأنسال وهي لا تزداد إلا رسوخاً حتى أصبحت التجارة وحساباتها غريزة من غرائزهم تكاد تغمر ما عداها من صفات نفسية، فأحبوا المال أكثر مما يحبه الناس جميعاً وتهافتوا على جمعه وادخاره حتى جعلوه غايتهم الأولى وهدفهم الأسمى. وكان من شأن تلك الصلة بين الشرق والغرب التي اختص بها موطنهم إن غزت بلادهم مختلف الأقوام وحلت بين ظهرانيهم أنواع الشعوب، ولكنها جميعها لم تلبث بعد أن مضى عليها حين من الدهر معهم أن تطبعت بطبائعهم ونسجت على منوالهم، فقلدت أساليبهم واقتدت بهم في مراميهم التجارية وأصولهم في العد والحساب وتشبهت بهم في كل شأن من شؤونهم حتى أصبحت وإياهم على سواء في حب المال والتهافت على جمعه وادخاره وظهرت الأديان في سورية متعاقبة فلون كل منها هذه الظاهرة السورية بلون خاص ولكنها لم تستطع جميعها أن تأتي عليها أو تمحوها. وكان من شأن هذه الظواهر القديمة الراسخة أن حرفت هي نفسها كثيراً من وجوه الأديان وأحكامها وشوهتها واستخدمتها في أغراضها وجعلتها ترمي لغير الهدف الذي دعا إليه أصحابها. واختلاف بعض مظاهر الدين الواحد بالنسبة لأمزجة الشعوب التي فرض عليها أو ظهر بينها واصطباغ الكثير من أحكامه بصبغة الوسط والبيئة والجماعة حادث اجتماعي مقرر معروف لم يعد من حاجة للجدل فيه. وبالرغم عن الأديان وتعاقبها في سورية ودعوتها للانصراف عن متاع الدنيا وحطام المادة، فقد ظلت هذه الظاهرة التي بنيت على النفع المادي وما ينشأ عنه من حب الكسب واتخاذ الربح غاية في الحياة، تعمل عملها في تكوين تلك العقلية التجارية ذات الحساب الدقيق في كل وجه من وجوه العيش حتى أبعدت السوري عما يسمونه المثل الأعلى الذي أصبح في هذا العصر مبعث النشاط الفكري وأقصت من روحه حب العمل للعمل نفسه الذي هو مصدر العبقرية الخالدة والعامل الأول في إنمائها. وليس من الصعب على المولع بدرس طبائع الأفراد والجماعات وتفهم سر تطور العقلية فيها واستقصاء عواملها الاجتماعية والروحية أن يلمس هذه الظاهرة البارزة في الجماعة السورية ويتعرف أسبابها البعيدة، على أننا مع ذلك لا ننكر أن التعرض لمثل