وصيفة من وصائف الشرف لبثت زهاء عشرة أعوام في بلاط برلين، تحدث العالم عما رأته من غرائب أخلاق غليوم وشواذ نوادره، وأسرار حياته، وبدائع جنونه وعجائب أموره - وهي حقائق ثابتة لا يشوبها شائبة من الكذب أو التلفيق أو الاختلاق، ولا يمازجها أثر من التخيل أو الزيادة أو التوسع أو الأطناب.
والكاتبة الوصيفة من الكونتسات، أعني من السيدات النبيلات - تقول في مقدمها ليس لي مأرب شخصي من هذه المذكرات ولا أسباب عندي في وصف ما رأيت من العيشة البلاطية وشهدت، فإذا كانت قد احتوت جملة من الغرائب واشتملت طائفة من المضحكات، وهدمت كثيراً من الآراء الثابتة عند القراء، وكشفت عن أسرار عجيبة هي على النقيض مما أصبح تاريخاً مقرراً مشهوراً، إذن فليذكر القارئ أن الحقيقة قد تكون أغرب من الخيال وإن التاريخ ليس إلا كذبة مزخرفة - ولست ذاكرة إلا الحوادث التي وقعت تحت عياني، أو التي استقيت من شهود ثقاة، وأما الحوادث التي وقعت قبل تتويج الإمبراطور فسأضطر إلى نقلها من أحاديث أهل البلاط ورواياتهم.
مولد الإمبراطور - ضعفه الشديد عند ولادته - الإمبراطور أعرج أكتع أصم - وكيف يخفى عن الناس هذه العيوب ـ.
هل هو طفل جميل؟.
فتكوريا
في الخامس عشر من شهر يونيه سنة ١٨٨٨ عند الظهيرة، ولم تكد تمضي ساعة واحدة على وفاة الإمبراطور فردريك بدأ الملك الجديد يبحث في أوراق أبيه وأدراج مكتبته ولم يكن معه إلا رجل واحد هو فون نورمان، رئيس الحرس الإمبراطوري فلم يلبث أن أخرج من بين الأوراق الرسالة المتقدمة الذكر.
فلما كانت جنازة الإمبراطور الراحل سألت نورمان وماذا قال جلالته عندما اكتشف رسالة فيكتوريا؟.
أجاب. لم ينبس ببنت شفة. ولكنه أصفر قليلاً وقد أمسك بيده اليسرى مقبض سيفه وقد بدا عليه الاضطراب.
وكانت رسالة الملكة فيكتوريا مؤرخة (٢٨ يونيه سنة ١٨٥٩) أي بعد أن خرج إلى نور