مثلا لو أخبر واحد بأن حاتما أعطى دينارا وآخر أنه أعطى جملا وهلم جرا, تواتر القدر المشترك لوجوده في الكل". أقول: ضابط الخبر المتواتر هو حصول العلم, فمتى أفاد الخبر بمجرده العلم تحققنا أنه متواتر وأن جميع شرائطه موجودة، وإن لم يفده تبينا عدم تواتره أو فقدان شرط من شروطه، وهي أربعة كما حكاها المصنف تبعا للإمام والآمدي، فالأولان راجعان إلى السامعين ولم يذكرهما الإمام في المعالم ولا ابن الحاجب في مختصره، والأخيران راجعان إلى الخبرين؛ أحدها: أن لا يكون السامع للخبر المتواتر عالما بمدلوله بالضرورة, فإنه إن كان كذلك لم يفده المتواتر علما لامتناع تحصيل الحاصل. الثاني: أن لا يكون معتقدا لخلاف مدلوله، إما لشبهة دليل إن كان من العلماء، أو لتقليد إن كان من العوام، فإن ارتسام ذلك في ذهنه واعتقاده له مانع من قبول غيره والإصغاء إليه، ومن هذا ما ورد في الحديث: "حبك الشيء يعمي ويصم" ١ وهذا الشرط نقله في المحصول عن الشريف المرتضى، ولم يصرح فيه بموافقته ولا مخالفته. قال: وإنما اعتبره؛ لأنه يرى أن الخبر المتواتر دال على إمامة علي رضي الله عنه، وأن المانع من إفادته العلم عند الخصم هو اعتقاد خلافه. الثالث: أن يكون سند المخبرين أي: مستندهم في الأخبار هو الإحساس بالمخبر عنه أي: إدراكه بإحدى الحواس الخمس. فإن أخبروا عما يستند إلى الدليل العقلي كحدوث العالم لم يفد العلم؛ لأن التباس الدليل عليهم محتمل. قال في البرهان: ولا معنى لتقييد المستند بالمحسوس؛ فإن المطلوب صدور الخبر عن العلم الضروري، فالوجه التقييد به لتدخل قرائن الأحوال، وتبعه على ما قاله صاحب المحصول والمختصرون لكلامه فقيدوه بذلك, وفيه نظر؛ فإن قرائن الأحوال لها استناد إلى الحس وليست عقلية محضة؛ فلذلك عدل المصنف إلى العبارة المشهورة. الرابع: أن يبلغ عدد المخبرين مبلغا يمتنع بحسب العادة أن يتواطئوا على الكذب ويختلف ذلك باختلاف المخبرين والوقائع والقرائن. هذا حاصل ما ذكره المصنف من الشروط, وقد علم منه أنه لا يشترط عنده في المخبرين الإسلام ولا العدالة ولا اختلاف الدين, والبلد, والوطن، والنسب، ولا وجود الإمام المعصوم، ولا دخول أهل الذمة فيهم، ولأكثرتهم بحيث لا يحصرهم عدد ولا يحويهم بلد، وفي كل ذلك خلاف حكاه الآمدي وابن الحاجب والإمام. قوله: "وقال القاضي" أي: أبو بكر: لا يكفي الأربعة في إفادة العلم، إذ لو أفاده قول الأربعة الصادقين لأفاده قول كل أربعة صادقين؛ لأن الحكم على الشيء حكم على مماثله، ولو كان كذلك لم يجب تزكية شهود الزنا لأنه إن حصل علم القاضي بقولهم فقد علم صدقهم, فيستغني عن التزكية، وإن لم يحصل العلم بذلك فيلزم أن يعلم كذبهم؛ لأن الفرض أن حصول العلم بالصدق ومن لوازم قول
١ أخرجه أحمد في المسند "٥/ ١٩٤"، والخطيب البغدادي في تاريخه "٣/ ١١٧"، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار "٣/ ٣١".