وفي جهنّمَ مُهلٌ ما تجرَّعَهُ ... خَلقٌ فأبقى له في الجوفِ أمعاءَ
قال مسلم بن الوليد: لُمت أبا نواس بن هانئ على تماديه في الشرب وانهماكه في الغيّ فأنشدني بديهةً:
فأوّلُ شُربِكَ طرحُ الإزارِ ... وثانيهِ من بعدِ طرحِ الإزارِ
وما هنّأتْكَ الملاهي بمثلِ ... إماتةِ مجدٍ وإحياءِ عارِ
وما جادَ دهرٌ بلذّاتِهِ ... على من يضنُّ بخلعِ العِذارِ
فولّيت عنه وقلت: جواب حاضر من شيخ فاجر.
أبو نواس:
وإذا نزعْتَ عن الغوايةِ فليكنْ ... للهِ ذاكَ النزعُ لا للناسِ
وله:
فبتْنا يرانا اللهُ شرَّ عصابةٍ ... نُجرّرُ أذيالَ الفسوقِ ولا فخرُ
دريد بن الصمة:
صبا ما صبا علا الشيبُ رأسَهُ ... فلمّا علاهُ قال للباطبِ: ابعدِ
أبو دُلَف:
صبرْتُ عنِ اللذاتِ حتى تولّتِ ... وألزمتُ نفسي صبرَها فاستمرَّتِ
وما النفسُ إلاّ حيثُ يجعلُها الفتى ... فإنْ أُطمعَتْ تاقَتْ وإلاّ تسلّتِ
وهذا من قول أبو نواس:
والحبُّ ظهرَ أنتَ راكِبَهُ ... فإذا صرفتَ عِنانهُ انصرفا
وأخذه أبو نواس من أبي ذؤيب:
والنفسُ راغبةٌ إذا رغَّبتَها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنعُ
وفي بديع ما قالت العرب في النَّسيب:
ولي صاحبٌ ما كنتُ أهوى اقترابَهُ ... فلما التقيْنا كانَ أكرمَ صاحبِ
عزيزٌ عليَّ أنْ نفارقَ بعدما ... تمنّيتُ دهراً أن يكونَ مُجانبي
وأخذه من بشار بن برد فأوضحه وكشف مغزاه فقال:
الشيبُ كُرهٌ وكُرهٌ أن يُفارقَني ... أعجِبْ بشيءٍ على البغضاءِ مودودِ
يمضي الشبابُ وقد يأتي له خلَفٌ ... والشيبُ يذهبُ مفقوداً لمفقودِ
ومنه أخذ الحمّاني:
لعمرُكَ ما المشيبُ عليَّ مما ... فقدْتُ منَ الشبابِ أشدُّ فَوتاً
تملَّيْتُ الشبابَ فصارَ شَيباً ... وأبليتُ المشيبَ فصارَ موتا
محمود الوراق:
لِدوا للموتِ وابنوا للخرابِ ... فكلُّهم يصيرُ إلى ذهابِ
ألا يا موتُ لم أرَ منكَ أقسى ... أبيتَ فما تحيفُ وما تُحابي
كأنّكَ قد هجمتَ على مَشيبي ... كما هجمَ المشيبُ على شبابي
أنشد دعبل، في كتاب الشعر، لأبي دُلف:
في كلِّ يومٍ أرى بيضاءَ قد طلعَتْ ... كأنّها نبتَتْ في باطنِ البصرِ
لئنْ قصصتُكِ بالمقراضِ عن بصري ... فما قصصتُكِ عن وهمي ولا فِكَري
لهفي على الحالكاتِ السودِ قد طلعَتْ ... بيضاً فدلّتْ بَواديها على الكِبَرِ
إذا تزيَّدَ منهنّ البياضُ معاً ... أدنى تزيّدُها نقصاً من العمرِ
آخر:
أعيانيَ الشيبُ فخلّيتُهُ ... وكلَّ مِقراضي فأعفَيتُهُ
إذا أنا استقصَيْتُ قَصّي لهُ ... وقلتُ في نفسي أخفيتُهُ
طالعَني من طُرّتي طالعٌ ... كأنّني بالأمسِ ربَّيتُهُ
ابن المعتز:
كأنَّ المقاريضَ التي تعتورْنَهُ ... مناقيرُ طيرٍ تنتقي سَبَلَ الزرعِ
وأنشد ثعلب في كتاب الأبيات:
ولما رأيتُ الشيبَ حلَّ بمفرقي ... تفتّيتُ وابتعتُ الشبابَ بدرهمِ
أبو دلف:
تأوَّبَني همٌّ لبيضاءَ نابتَهْ ... لها بغضةٌ في مُضمرِ القلبِ ثابتَهْ
ومنْ عجبٍ أنّي إذا رُمتُ قَصَّها ... قصصتُ سِواها فهي تضحكُ شامتَهْ
عدي بن زيد:
وابيضاضُ الشيبِ من نُذرِ الموْ ... تِ فهلْ بعدَهُ لحيٍّ نذيرُ
ابن المعذل:
نهانيَ الشيبُ عن هِناتٍ ... قد كان كأسي لها مُجيبا
أبو السمط:
بادرْ شبابَكَ أنْ يغتالَهُ الزمنُ ... وقَضِّ ما أنتِ قاضٍ والصِّبا حسَنُ
أنشد:
وبيضٍ سعَيْنَ إلى البيضِ كي ... يُكاتمْنَها خبري بالكَتْمْ
سأُوقعُ عني ثيابَ المَشي ... بِ بداجيةٍ منْ لباسِ الظُّلَمْ
إذا لم أُغِبْ لِمّتي في المُلِمِّ فلا تُعتَدَدْ هِمّتي في الهِمَمْ
ابن المعتز:
وظللْتُ أطلبُ وصلَها بتذللٍ ... والشيبُ يغمزُها بألا تفعلي
النميري:
أرى شيبَ الرجالِ من الغواني ... بموقعِ شَيبِهنَّ من الرجالِ
وما أحسن ما قال ابن الرومي: