للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جو باليمامة، ففاداها أخوها "أبجر بن جابر بن بجير بن شريط" العجلي بمائة من الإبل وخمسة أفراس١.

وإذا تجوزنا فأدخلنا "الحيرة" في جملة هذه القرى، وجب اعتبار "عدي بن زيد" العبادي ممثلها الأول، إذ لم يبلغ أحد مبلغه في الشعر من بين رجال هذه المدينة. فهو المقدم على جميع شعراء الحيرة التي كان يفد إليها الشعراء، ولأكثرهم ذكريات مع ملوكها، الذين كانوا يجملون العطاء لمن يمدحهم ويكيل لهم الثناء، لا لمجرد حب الاستماع إلى المدح والثناء والإطراء، بل لما لشعر المديح ولشعر الهجاء من أثر كبير في حياة ذلك اليوم، فالشعر هو من أهم وسائل الإعلام في ذلك الوقت، وللدعاية والإعلام وجلب الناس نحو الممدوح أهمية كبيرة بالنسبة إلى رجال الحكم والسياسة في كل زمان ومكان، إن كذبا وإن صدقا، فالسياسي يريد تحقيق سياسته، بأية وسيلة كانت، حتى إن كانت بالكذب والغش والتزوير، فالشعر من وسائل الخدمة السياسية التي استعان بها ملوك الحيرة في بسط نفوذهم في جزيرة العرب.

و"عدي بن زيد" العبادي هو ابن الحيرة، فهو لسان هذه المدينة، أما بقية الشعراء، فقد كانوا يأتون هذه المدينة، لنيل صلة أو لقضاء أمر، ثم يعودون إلى ديارهم، ومنهم من كان يطيل المقام بها، فيتأثر بثقافتها وبمحيطها حسب قابلياته وسرعة استجابته للمؤثرات الخارجية. ويظهر أنه كان لأهل الحيرة ولعرب العراق عامة ذوق خاص في الشعر، ولهم حب لتنويع البحور، والتزام البحور السهلة المؤثرة، وميل إلى التنوع في الوزن، والتعبير أحيانا عن بعض أفكار مستمدة من البداوة، والظهور بلون محدد من التراث المحلي٢.

يقول "غرونباوم": "وليس من الغريب أن نجد التفنن في الأوزان الشعرية في العراق أغنى مما كان عليه في أي مكان آخر، وذلك لأن أجيالا كثيرة هي التي عاشت في المدينة وفي البلاط، ونزعت بطبيعة وضعها إلى التحسين في تلك الفنون، ولكن الغريب المدهش حقا أن نرى أبا دؤاد يعرض علينا أغنى تنوع عروضي في الشعر العربي القديم، لأن شعره جاء على اثني عشر بحرا. وإذا


١ المرزباني، معجم "٣٧".
٢ غرونباوم "٢٦٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>