للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الكرسي" تفاسير مختلفة، وذلك تحاشيًا من الوقوع في التشبيه، من كونه تعالى يجلس على كرسي شبه كراسينا، ولذلك مالوا إلى التأويل. وذكر في رواية أخرى، أن "ابن عباس" كان يرى أن الكرسي موضع القدمين، "ومن روي عنه في الكرسي أنه العلم، فقد أبطل"١.

ونظرًا إلى ما كان للمذهبية من أثر في الناس في ذلك العهد، فلا أستبعد احتمال الوضع على ألسنة المذاهب، لذا يجب الحذر من الإسراع في التصديق بصحة الشواهد المقالة على لسان مذهب، ونقدها نقدا علميًّا دقيقًا، بالتفتيش عنها في كتب أهل ذلك المذهب، فقد يجوز أن تكون قد وضعت عليهم وضعًا، ومثل هذا الوضع شيء معروف.

ومن أبواب نحل الشعر ما قيل على لسان آدم فمن دونه من الأنبياء من شعر. فقد زعموا مثلا أن قابيل حين قتل أخاه هابيل رثاه أبوه آدم، فقال:

تغيرت البلاد ومن عليها ... فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي طعم ولون ... وقل بشاشة الوجه المليح

فأجيب آدم:

أبا هابيل قد قتلا جميعا ... وصار الحي كالميت الذبيح

وجاء بشرة قد كانك منها ... على خوف فجاء بها يصيح٢

ثم ما قيل على لسان الأمم البائدة، والشعوب الهالكة مثل عاد وثمود وقوم تبع، وطسم وجديس، وزرقاء اليمامة، من أشعار زعم أنهم قالوها، وهي من نظم القصاصين وأصحاب السمر والحكايات، وعشاق الأساطير والخرافات، لما وجدوا ميلًا عند الناس إلى الاستماع لمثل هذه الأشعار. فكانوا "يأتون بمثل تلك الأشعار على وهنها وتداعيها ويعزونها إلى القدماء، ثم يزعمون إنهم أخذوها من


١ تاج العروس "٤/ ٢٣٢"، "كرس".
٢ تأريخ الطبري "١/ ١٤٥"، تفسير الطبري "١/ ١٢٢"، "طبعة بولاق".

<<  <  ج: ص:  >  >>