للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكون القصائد طويلة في الغالب، أما القطع، فهي أقصر من القصيدة، وفيه كان "ابن الزبعري"، لا ينظم القصائد الطوال، ويميل إلى القطع، وكان عذره "أن القصار أولج في المسامع، وأجول في المحافل". وللشعراء الطوال والقصار، كل حسب المناسبة١. وقد اختتمت بعض القصائد الجاهلية بالحكم والأمثال وبالأقوال المأثورة. وللقصائد الطوال المحبوكة حبكًا حسنًا، والمنظومة نظمًا جيدًا، سابقة وقدم على مثيلاتها من القصائد الوسط أو القصيرة، ومن هنا اختار حماد الراوية "السبع الطوال" "السبع الطول" من الشعر الجاهلي، وزعم في أصلها ما زعم. ونظم القصيدة الطويلة، يحتاج إلى نفس طويل، وإلى تمكن من الشعر، وإلا أصابها الوهن والعجز، ومن هنا عد أصحاب المطولات الجيدة من أحسن الشعراء.

وقد ذهب "غرونباوم" إلى أن القصيدة العاشرة من القصائد المنسوبة إلى "عمرو بن قميئة"، ربما تكون أقدم قصيدة تامة وصلت إلينا من الشعر الجاهلي، "على أنها لم تكن بعد تفي بجميع مقتضيات النقاد النظريين، لأنها لا تشمل، في الأبيات التسعة عشر التي تلي النسيب، إلا على وصف سحابة ممطرة، ومدح رجل يدعى امرأ القيس بن عمرة. ولو أن هذه القصيدة تأخرت عن العصر، بوقت قصير، لاعتبرت أثرًا غثًّا. وليس السبب في ذلك أن عدد أبيات القصيدة من بعد قد ازداد إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، أو بلغ أو جاوز المائة، وإنما هو في كثرة المشاهد التي حشدت حتى تحققت هذه المنظومات الرائعة. ومن شواهد ذلك قصيدتان للأعشى "حوالي ٥٦٥- ٦٢٩م" هما الأول والسادسة من ديوانه، وأولى قصائد أبي ذؤيب الهذلي "ت حوالي ٦٥٠م"، وفيها تصوير لسلطة القدر المحتوم في ثلاثة مشاهد مؤثرة تمثل مصرع حمار الوحش القوي وثور الوحش الهائج، والفارس الشاكي السلاح المستجن بدرعه. وإذ كان الحافز لقول القصيدة هو وفاة ابن الشاعر، فقد جمعت هذه القصيدة جمعًا موفقًا بين مزايا المرثية وخصائص القصيدة"٢.

وقد بلغ الشعر الجاهلي ذروته عند ظهور الإسلام. كان الشعراء في هذا العهد ينظمون القصيد ببحوره التي ضبطت وثبتت في الإسلام، في مقاصد أشرت إليها


١ العمدة "١/ ١٨٦ وما بعدها".
٢ غرونباوم "١٣٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>