للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النحو وعلوم العربية، وبسببه صار العراق القطر الإسلامي الأول الذي نبت فيه علم العربيات والنحو، لا بسبب لحن وقع من أعاجم أو من أعراب جهلاء، ولا بسبب تلك القصص التي ساقوها في أسباب اختراع النحو، وإنما بسبب وجود علم سابق في العربية عند أهل الحيرة والأنبار والقرى العربية الأخرى، وبسبب ظهور الحاجة إليه، لتعليم العرب وغيرهم أصول لغتهم وكيفية صيانة اللسان من الوقوع في الخطأ، فكان ما كان من وقوف علي أو أبي الأسود وهما من أصحاب الذكاء الخارق والتعطش إلى البحث والاستقصاء، فأخذا به، وتوسع من جاء بعدهما في تفريعه وفي تثبيته في كتب، كملت وتمت بالتدريج، فهي من حاصل ذلك التراث العربي الجاهلي.

ولسابقة العراق هذه في الجاهلية بَزَّ سائر الأقطار الإسلامية في علوم العربية، حتى يثرب ومكة، وهما موطنا الإسلام ومهبطه، لم ينافساه فيها. قال السيوطي: "فأما مدينة الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا نعلم بها إمامًا في العربية. قال الأصمعي: أقمت بالمدينة زمانًا ما رأيت بها قصيدة واحدة صحيحة إلا مصحفة أو مصنوعة. وكان بها ابن دأب، يضع الشعر وأحاديث السمر، وكلامًا ينسبه إلى العرب، فسقط وذهب علمه، وخفيت روايته"١. "وممن كان بالمدينة أيضًا علي الملقب بالجمل، وضع كتابًا في النحو لم يكن شيئًا٢. وأما مكة، فكان بها رجل من الموالي يقال له: ابن قسطنطين، شدا شيئًا من النحو ووضع كتابًا لا يساوي شيئًا". وفي انفراد العراق، وتفوقه على غيره من الأمصار في هذه العلوم، دلالة على وجود البذور القديمة لها في هذه الأرض قبل الإسلام، فلما دخل العراق في الإسلام أينعت واتسعت، فكان ما كان من ظهورها فيه.

وقد تأثر النحاة والمناطقة في الإسلام بمنطق أرسطو. هذا الإمام الشافعي يشير إلى تأثير القوم بمنطقه، إذ قال: "ما جهل الناس ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب، وميلهم إلى لسان أرسطوطاليس"٣. وقد توفي الشافعي سنة "٢٠٤"


١ المزهر "٢/ ٤١٣ وما بعدها".
٢ المزهر "٢/ ٤١٤".
٣ السيوطي، صون المنطق والكلام عن فن المنطق والكلام "١٥"، "علي سامي النشار"، "مطبعة السعادة".

<<  <  ج: ص:  >  >>