للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في تأويلها علماء النحو١. وأورد بيتًا شاهدًا على جواز وضع "افعل" في موضع "فعيل" الوارد في تفسير كلمة واردة في سورة {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ٢. وهناك مواضع كثيرة اختلف علماء النحو في تأويلها بالنسبة لمذاهبهم في أوجه النحو، فاستشهد كل عالم منهم بشاهد من الشعر، لتأييد رأيه في صحة ما ذهب إليه على زعمه، وقلما استشهد المفسرون والعلماء بشعر من شعراء قريش، أو بكلام من كلامهم، في تفسير القرآن، فلو كان كتاب الله قد نزل بلغتهم لكان من اللازم، إيجاد مخارجه بالاستشهاد بلغة قريش، لا بالشعر الجاهلي وبكلام القبائل الأخرى.

وأنا لا أبتعد عن الصواب، إذا ما قلت: إن القرآن قد ساعد في جمع الشعر الجاهلي وفي حفظه، بسبب اضطرار العلماء على الاستعانة به، في دراسة كتاب الله وفهمه، وفي تثبيت قواعد اللغة التي وضعت لتحصين العربية، وجعلها في متناول يد مَن لا علم له بها، يستعين بها على النطق بها، وفقًا لمنطق العرب، وربما حمل ذلك البعض على انتحال الشعر للاستشهاد به في إيجاد مخرج في تأويل آية أو تفسير كلمة وردت في كتاب الله.

إذن فقول من يقول: إن لغة قريش هي العربية الفصحى، وأنها لغة الأدب عند الجاهليين، قول بعيد عن الصواب، ولا يمكن أن يأخذ به من له أي إلمام بتأريخ الجاهلية ووقوف على نصوص الجاهليين، أخذ من روايات آحاد، وجدت لها انتشارًا في الكتب القديمة بنقلها بعضها عن بعض من غير نص على اسم السند والمرجع، فصارت وكأنها أخبار متواترة صحيحة أضاف المحدثون عليها عامل النفوذ السياسي والاقتصادي، والديني، لإكساء الفكرة القديمة ثوبًا جديدًا يناسب العصر الحديث، لتأخذ شكلًا مقبولًا.

أما لو سألتني عن لغة القرآن الكريم، فأقول: إن القرآن قد ضبطها وعينها، إذ سماها {لِسَانًا عَرَبِيًّا} ،واللسان العربي هو لسان كل العرب، لا لسان بعض منهم، أو لسان خاصة منهم، هم قريش، ولو كان هذا اللسان، هو لسان قريش لنزل النص عليه في كتاب الله.


١ والليل، الرقم٩٢، الآية "١٩ وما بعدها"، تفسير الطبري "٣٠/ ١٤٦"، "بولاق".
٢ تفسير الطبري "٣٠/ ١٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>