للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفسّر "الطبري" "عائلًا" بقول الشاعر:

فما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل١

ونجد في تفسير الطبري، وفي كتب التفسير الأخرى أمثلة لا تعد ولا تحصى من هذا القبيل، فسر فيها العلماء غريب ألفاظ القرآن وما صعب فهمه من الألفاظ بالشعر، حتى لا تكاد تقرأ صفحة أو جملة صفحات من كتب التفسير، إلا وتجد فيها شعرًا، استشهد به في تفسير كلمة أشكل فهمها على العلماء، فاستعانوا بالشعر لتوضيح معناها٢.

ولم يقف الاستشهاد بالشعر الجاهلي على الناحية المذكورة وحدها، بل استعين به في تفسير وتعليل أمور أخرى وردت في القرآن أشكل فهمها على العلماء، من ذلك أوجه العربية وقواعد النحو، فلما استقرى علماء العربية الشعر الجاهلي ولغات العرب، واستنبطوا منها القواعد، وجدوا أن بعضها لا يتماشى مع ما جاء في كتاب الله، فعمدوا إلى التأويل والبحث عن مخرج يوجهون ما جاء فيه وفق قواعد النحو التي قرروها، ولا سيما المواضع التي اختلف علماء النحو فيها، وجاءوا فيها بآراء مختلفة، في التوفيق بين القراءات في القرآن مثلًا، أو في الأمور المعضلة منه بالشعر، فقد اختلف قراء مكة، وقراء البصرة، والكوفة والشأم في الآية: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ} ٣. وأورد "الطبري" آراء علماء اللغة والنحو، ثم استشهد بقول طرفة بن العبد:

ألا أيها الزاجري أحضر الوغى ... وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي٤

وأورد "الطبري" بيتين من الشعر للنابغة في تأويل الآية: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى} ، اختلف


١ تفسير الطبري "٣٠/ ١٤٩".
٢ أورد "الطبري" آراء المفسرين المختلفة في تفسير لفظة: "عضين"، وللتوكيد على المعنى جاء بالشعر في تفسيرها، راجع تفسيره "١٤/ ٤٥"، "بولاق".
٣ سورة البلد، رقم٩٠، الآية١١ وما بعدها.
٤ تفسير الطبري "٣٠/ ١٣٠"، بولاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>