للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا} ١ {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} ٢ إلى غير ذلك من آيات نصت نصًّا صريحًا على أن لسان القرآن هو اللسان العربي، فعينته بذلك وثبتته، ولم أجد في القرآن آية واحدة ذكرت أنه نزل بلسان قريش ولو كان قد نزل بلسانهم وكان لسانهم خير الألسنة وأفصحها، لما سكت عن ذلك، لما في النص عليه من أهمية، بالنسبة إلى العرب وإلى قريش المكابرين المناهضين للرسول، ثم إني وجدت أن العلماء يذكرون أن في القرآن لغات أخرى ليست من لغة قريش، وأن فيه ألفاظًا هي بلغة تميم، أو بلغات أخرى مخالفة للغة قريش وأهل الحجاز، وأن لهم آراء في الأخبار الواردة في أنه نزل بلغة قريش، مثل أخبار تنسب إلى "عمر" تارة، وتنسب إلى "عثمان" وإلى غيره تارة أخرى، وهي أخبار لا ندري مبلغ درجتها من الصحة أو الباطل، يظهر أنها وضعت تحت تأثير من العصبية السياسية التي ظهرت منذ أيام الرسول فيما بين الأنصار والمهاجرين، ثم صارت عصبية قحطانية يمانية. جعلت العرب عربين: فإما إلى قحطان وإما إلى عدنان، وليس بينهما جد ثالث.

ثم إنه لو كان قد نزل بلسان قريش، وكان لسان قريش أفصح ألسنة العرب وأبينها وأبلغها وأكملها، ولذلك كان نزوله بها حجة للخصوم وإفحامًا للمشركين وإحراجًا لهم وإعجازًا لهم، فلِمَ لم يذكر القرآن ذلك، ولم يبين أنه نزل بلسان قريش أفصح الفصحاء، وأبلغ البلغاء، وإنه إنما نزل بلسانهم ليكون حجة عليهم وإعجازًا لهم في أن يأتي أبلغهم بآية مثل آياته، وفي ذكر قريش إذن إفحام لكل العرب. ولكنا نجده على العكس يخاطب قريشًا والعرب بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ} ٣، و {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِه} ٤ فهو يحاججهم على أن يأتوا بمثله، وباللسان الذي نزل به. وهو لسان عربي مبين، لا لسان بعض منهم، أي: بلسان قريش. ولو كان لسان هذا البعض هو أكمل الألسنة وأبلغها وأعضبها وأسلسها وأنقاها كان من الضروري ذكر ذلك إفحامًا للخصوم،


١ الرعد، الرقم١٣، الآية٣٧.
٢ الشورى، الرقم٤٢، الآية٧.
٣ البقرة، الرقم٢، الآية٢٣.
٤ الإسراء، الآية٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>