للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحكيمه بهذه الخرافات، فحاربت. ولكن عقول العامة لم تكن على شاكلة عقل الملكة، لقد أثرت فيها هذه الدعاية، وقضت على معنويات التدمريين الوثنيين الذين يدينون بهذه الخرافات ويؤمنون بها، وما زال من طرازهم خلق كثير في القرن العشرين الميلادي هذا.

تهيأت الملكة "الزباء" لملاقاة "أورليانوس" عند مدينة "أنطاكية" "Antiochia"، وكانت هي على رأس الجيش فارسة تحارب في الطليعة، أما القيادة، فكانت لقائدها "زبدا". وفي الوقعة الأولى هجم فرسان تدمر على الكتائب الرومانية فشتتوا شملها، فأمر القيصر جنوده بالرجوع إلى مسافات بعيدة، ليوهم التدمريين أنه قد فر، فإذا ساروا في أثرهم وابتعدوا عن قواعدهم باغتهم بالهجوم، فلا يتمكن فرسان تدمر من الهزيمة لثقل أسلحة الفرسان ومعداتهم وبطء خيلهم بالقياس إلى خيل الرومان. وهو ما حدث. فقد خدع التدمريون وظنوا رجوعهم هزيمة، فتعقبوهم إلى مسافات بعيدة، وفجأة انقلبت الكتائب الرومانية على التدمريين، وأطبقوا عليهم، وأعملوا فيهم السيوف وانهزموا هزيمة منكرة إلى مدينة "أنطاكية". وفي هذه المدينة قر رأي الملكة على ترك أنطاكية والارتحال عنها بسرعة لأسباب، منها وجود جالية يونانية كبيرة فيها كانت تفضل حكم الرومان على حكم الشرقيين عليهم، وقد كان لها النفوذ والكلمة في المدينة، ومنها نفرة النصارى من الملكة بسبب موقفها من "بولس السميساطي" الذي قرر مجمع "أنطاكية" عزله من وظيفته، فلم تنفذ الملكة قرار المجمع، وتركته يتصرف في أموال الكنيسة، ولم تكتف بذلك بل عينته "Procurator Decenarius" على المدينة، أي أنها جعلته الرئيس الروحي والدنيوي على الأنطاكيين. أضف إلى ذلك كره اليهود الذين في المدينة للتدمريين. وقد نفذت الملكة هذا القرار في اليوم الذي دخلت فيه جيوشها المدينة، فأمرت قائدها بتركها والسير إلى "حمص" فورًا. وفي اليوم الثاني دخل "أورليانوس" تلك المدينة وأعطاها الأمان١.

وتعقب القيصر أثر الملكة ففتح جملة مدن حتى بلغ "حمص" "Emisa"، وهناك وجدها على رأس جيش قوامه سبعون ألفًا في مفازة عريضة تقع شمالي المدينة.


١ المشرق، الجزء المذكور "ص ١٠٣٥".
Oberdick, S., ٩٢, Ritter, Erdkunde, ١٧, ٢, S., ١١٦٠, ٨, Zosimus, I, Ii; ٥٠; ٥١; PP.٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>