للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفزع تقدم الرومان السريع الزباء ورجالها ولا شك، وأخذت المدن التي كانت تساندها تشك في تمكن الملكة من الدفاع عن نفسها، وشاعت بين الناس قصص عن نهاية تدمر وخرابها بأيدي الرومان وعن سقوطها لا محالة، أثيرت مع وصول أنباء اعتزام القيصر القضاء على حكم الملكة وإخضاع "تدمر" لحكم الرومان. ومن يدري؟ فلعل الرومان وأنصارهم وأعوانهم وجواسيسهم هم الذين صنعوها وأذاعوها بين الناس لإماتة همة جيش الملكة وأعوانها، والإيحاء إليه أنه مغلوب لا محالة وأن إرادة الآلهة قد قضت بذلك ولا راد لها. فكان من بين ما أشيع أن معبد "الزهرة" في "أفقة" "Aphaca" أنبأ الحجاج التدمريين الذين حجوا قبل سنة من سقوط مدينتهم، يستفتون "الزهرة" فيما سيحل بهم في السنة المقبلة بمصير سيئ سيلحق بتدمر، وأن كارثة ستنزل بهم، أنبأهم بذلك على عادة المعبد في موسم الحج الذي يلي الموسم الذي سئل فيه السؤال١.

وكان من بين ما أشيع تخرصات زعم أنها صدرت من معبد "أبولو" "Apollo" تنبئ بزوال دولة التدمريين ومشيئة الآلهة بانتصار "أورليانوس" على الزباء، وتخرصات تزعم أن الحبر "يهودا" "R.Juda" تلميذ الحبر "صموئيل" "Samuel" تنبأ بها عن تدمر، إذ كان قد قال: "سيحتفل الإسرائيليون في أحد الأيام بعيد، إنه عيد هلال "ترمود" "Tarmud"، إنها ستهلك كما هلكت "تمود" "Tamud" وقد هلكت". وورد أن الحبر "أشه" "R.Asche" ذكر "ترمود" "Tarmud" فقال: "ترمود مثل تمود، إنهما شيئان لأمر واحد، إذا هلك أحدهما قام الآخر مقامه". ويراد بـ "ترمود" مدينة "تدمر"٢.

إلى غير ذلك من تخرصات أوحت بها دعاية الرومان، وأعداء الملكة من يهود ومن قوميات أخرى قهرتها "الزباء" فأذاعتها بين الناس، لإفهامهم أن من العبث مقاومة القيصر وجنوده، وأن من الخير ترك المقاومة والاستسلام، وأن اليوم الذي ستحرر فيه تلك الشعوب من حكم الملكة آت قريب؛ لأن إرادة الآلهة قضت أن يكون ذلك، ولا راد لأمر الآلهة: نعم، لم تصدق الملكة العاقلة


١ Zosimus, I, ٥٤, ٥٧, ٥٨.
٢ Oberdick, S., ٨٠, Jebam, ١٧b.

<<  <  ج: ص:  >  >>