للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عما هو عليه من ارتكاب المحرم, فإن هذا العاصي يحتج بالقدر ويدّعي أن الله هو الذي قدّر عليه ذلك, أو قد يدّعي حين يدعى إلى الصلاة - مثلاً - بأنه إذا أراد الله له أن يصلي سيصلي. فكيف جواب ذلك؟

الجواب عن ذلك أن يقال: إن احتجاج العاصي بالقدر وهو مقيم على المعصية من جنس احتجاج المشركين بالقدر في دعوة الأنبياء, وذلك كما حكى الله عز وجل في قوله: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} [الأنعام ١٤٨]

فالمشركون هنا احتجوا بالقدر على رد الشرع ودعوة الأنبياء, والعاصي المقيم على المعصية يحتج بالقدر على معصيته, والمشركون كاذبون, وكذلك العاصي كاذب لعدة أسباب:

أ - لأن القدر ليس حجة لعاص, ونحن إنما أمرنا أن نؤمن بالقدر, لا أن نحتج به

ب - أن القدر لا يعلم حتى يقع فإذا وقع علمنا بأن الأمر كان مقدراً, فكيف يجوز للإنسان أن يحتج بشيء غاب عنه, ولا يدري ما قدر له فيه.

ج - إن الله عز وجل قد خلق للإنسان الإرادة والقدرة, وأرسل له الرسل, وأنزل الكتب ليعلموه شرع الله, ويحذروه من معصية الله, فعليه فإنه ليس للعاصي أي حجة على الله, فاحتجاجه بالقدر غير صحيح وليس فيه حجة.

د - إن مما يبين كذب المحتج بالقدر على المعصية, أنه لو اعتدى أحد على ماله أو عرضه فاحتج ذلك المعتدي بالقدر فإن المعتدى عليه لا يقبل ذلك الاحتجاج, وسيسعى إلى إنزال العقوبة به, فكذلك لا يقبل احتجاج العاصي بالقدر.

<<  <  ج: ص:  >  >>