قال أبو الفتح: مشهور اللغة فى ذلك: عزّرت الرجل: أى عظمته، وهو مشدد، وقد قالوا: عزرت الرجل عن الشئ بتخفيف الزاى إذا منعته عن الشئ، ومنه سمى الرجل: عزرة، فقد يجوز أن يكون «وعزروه» على هذه القراءة، أى منعوه وحجزوا ذكره عن السوء، كقوله: سبحان الله. ألا ترى أن أبا الخطاب فسره فقال: براءة الله من السوء، فبرأته من الشئ وحجزته عنه بمعنى واحد.
***
{عَشْرَةَ}(١٦٠) ومن ذلك قراءة يحيى والأعمش وطلحة بن سليمان: «عشرة»، وقرأ «عشرة» بفتح الشين بخلاف.
قال أبو الفتح: أما «عشرة» بكسر الشين فتميمية، وأما إسكانها فحجازية.
واعلم أن هذا موضع طريف؛ وذلك أن المشهور عن الحجازيين تحريك الثانى من الثلاثى إذا كان مضموما أو مكسورا، نحو الرسل والطنب والكبد والفخذ، ونحو ظرف وشرف وعلم وقدم. وأما بنو تميم فيسكنون الثانى من هذا ونحوه، فيقولون: رسل وكتب وكبد وفخذ، وقد طرف وقد علم، لكن القبيلتين جميعا فارقتا فى هذا الموضع من العدد معتاد لغتهما، وأخذت كل واحدة منهما لغة صاحبتها وتركت مألوف اللغة السائرة عنها، فقال أهل الحجاز: اثنتا عشرة بالإسكان، والتميميون عشرة بالكسر.
وسبب ذلك ما أذكره؛ وذلك أن العدد موضع يحدث معه ترك الأصول وتضم فيه الكلم بعضه إلى بعض، وذلك من أحد عشر إلى تسعة عشر. فلما فارقوا أصول الكلام من الإفراد وصاروا إلى الضم فارقوا أيضا أصول أوضاعهم ومألوف لغاتهم، فأسكن من كان يحرك، وحرّك من كان يسكن، كما أنهم لما حذفوا هاء حنيفة للإضافة حذفوا معها الياء، فقالوا: حنفىّ، ولما لم يكن فى حنيف هاء تحذف فتحذف لها الياء قالوا فيه: حنيفى. وكقولهم: الجاه، وأصله عندنا الوجه، فقلبوه فقدموا العين على الفاء، وكان قياسه أن يقولوا: جوه، إلا أنهم لما قلبوا شجعوا عليه فغيروا بناءه، فأصاروه من جوه إلى وجوه، فانقلبت الواو التى هى فاء فى موضع العين ألفا لانفتاح