للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والأشعري لما قَالَ بِالْقُدْرَةِ مَعَ الْفِعْل لَكِن يجب بهَا الْأَثر، وَأَنَّهَا لَا تصلح للضدين وَقع فِي الْجَبْر

والمعتزلة لما قَالُوا بِالْقُدْرَةِ السَّابِقَة ثمَّ مَا بعْدهَا مفوض إِلَى العَبْد وَقَعُوا فِي التَّفْوِيض فَالله سُبْحَانَهُ قدر أَن يجود الْأَثر وَهُوَ الْهَيْئَة الْحَاصِلَة بِالْمَصْدَرِ بِالْقُدْرَةِ الْمُقَارنَة وَاخْتِيَار العَبْد، وَلَا يرد أَن الِاخْتِيَار لما كَانَ بِتَقْدِير الله يلْزم الْجَبْر لِأَن تَقْدِير الِاخْتِيَار اخْتِيَارا لَا يُوجب الْجَبْر لِأَن تَقْدِير الشَّيْء لَا يُوجب ضِدّه

واستحالة دُخُول مَقْدُور وَاحِد تَحت قدرتين إِذا كَانَت لكل وَاحِد مِنْهُمَا قدرَة التخليق والإكتساب [فَجَائِز بِخِلَاف الشَّاهِد

وَاعْلَم أَن مَحل قدرَة العَبْد هُوَ عزمه المصمم عقيب خلق الداعية والميل وَالِاخْتِيَار، وَبِهَذَا يبطل احتجاج كثير من الْفُسَّاق بِالْقضَاءِ وَالْقدر لفسقهم، إِذْ لَيْسَ الْقَضَاء وَالْقدر مِمَّا يسلب قدرَة الْعَزْم عِنْد خلق الإختيار فَيكون جبرا ليَصِح الِاحْتِجَاج] فَأَما إِذا كَانَت لأَحَدهمَا قدرَة الاختراع وَللْآخر قدرَة الِاكْتِسَاب، فَجَائِز بِخِلَاف الشَّاهِد قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: يلْزم على مَا ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنفية من أَن الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل لَا قبله أَن تكون الْقُدْرَة على الْإِيمَان حَال حُصُول الْإِيمَان، وَالْأَمر بِالْإِيمَان حَال عدم الْقُدْرَة، وَلَا معنى لتكليف مَا لَا يُطَاق إِلَّا ذَلِك، وَمِمَّا يدل عَلَيْهِ أَن الله كلف أَبَا لَهب بِالْإِيمَان، وَمن الْإِيمَان تَصْدِيق الله فِي كل مَا أخبر عَنهُ، وَمِمَّا أخبر عَنهُ أَنه لَا يُؤمن فقد صَار أَبُو لَهب مُكَلّفا بِأَن يُؤمن بِأَنَّهُ لَا يُؤمن، وَهَذَا تَكْلِيف يجمع بَين النقيضين، وَالْجَوَاب: إِن التَّكْلِيف لم يكن إِلَّا بِتَصْدِيق الرَّسُول وَإنَّهُ مُمكن فِي نَفسه، مُتَصَوّر وُقُوعه، وَعلمه تَعَالَى بِعَدَمِ تَصْدِيق الْبَعْض، وإخباره لرَسُوله لَا يخرج الْمُمكن عَن الْإِمْكَان، وَلِأَن التَّكْلِيف بِجَمِيعِ مَا أنزل كَانَ مقدما على الْأَخْبَار بِعَدَمِ إِيمَان أبي لَهب، فَلَمَّا أنزل أَنه لَا يُؤمن ارْتَفع التَّكْلِيف بِالْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا أنزل، فَلم يلْزم الْجمع بَين النقيضين

وَاعْلَم أَن علم الله تَعَالَى وإخباره بِوُجُود شَيْء أَو عَدمه لَا يُوجب وجوده وَلَا عَدمه بِحَيْثُ ينسلب بِهِ قدرَة الْفَاعِل عَلَيْهِ، لِأَن الْإِخْبَار عَن الشَّيْء حكم عَلَيْهِ بمضمون الْخَبَر، وَالْحكم تَابع لإِرَادَة الْحَاكِم إِيَّاه، وإرادته تَابِعَة لعلمه، وَعلمه تَابع للمعلوم، والمعلوم هُوَ ذَلِك الْفِعْل الصَّادِر عَن فَاعله بِالِاخْتِيَارِ، فَفعله بِاخْتِيَارِهِ أصل، وَجَمِيع ذَلِك تَابع لَهُ، وَالتَّابِع لَا يُوجب الْمَتْبُوع إِيجَابا يُؤَدِّي إِلَى القسر والإلجاء، بل يَقع التَّابِع على حسب وُقُوع الْمَتْبُوع، هَكَذَا حَقَّقَهُ بعض الْمُحَقِّقين

والقادر: هُوَ الَّذِي يَصح مِنْهُ أَن يفعل تَارَة، وَأَن لَا يفعل أُخْرَى، وَأما الَّذِي إِن شَاءَ فعل، وَإِن شَاءَ لم يفعل، فَهُوَ الْمُخْتَار، وَلَا يلْزمه أَن يكون قَادِرًا، لجَوَاز أَن تكون مَشِيئَة الْفِعْل لَازِمَة لذاته، وَصِحَّة الْقَضِيَّة الشّرطِيَّة لَا تَقْتَضِي وجود الْمُقدم

قَالَ صَاحب " الْملَل والنحل ": الْمُؤثر إِمَّا أَن يُؤثر مَعَ جَوَاز أَن لَا يُؤثر، وَهُوَ الْقَادِر، أَو يُؤثر لَا مَعَ جَوَاز أَن لَا يُؤثر، وَهُوَ الْمُوجب فَدلَّ أَن كل مُؤثر إِمَّا قَادر وَإِمَّا مُوجب، فَعِنْدَ هَذَا قَالُوا: الْقَادِر: هُوَ

<<  <   >  >>