التَّقْدِير: هُوَ تَحْدِيد كل مَخْلُوق بحده الَّذِي يُوجد من حسن وقبح ونفع وضر وَغير ذَلِك
[وَالْقدر: هُوَ مَا يقدره الله من الْقَضَاء وَيُقَال: قدرت الشَّيْء أقدره، وأقدره قدرا، وَقدرته تَقْديرا فَهُوَ قدر أَي مَقْدُور، كَمَا يُقَال: هدمت الْبناء فَهُوَ هدم أَي مهدوم، وَلَك أَن تسكن الدَّال مِنْهُ وَهُوَ فِي الأَصْل مصدر يُرَاد بِهِ الْمُقدر تَارَة وَالتَّقْدِير أُخْرَى
فِي " الأساس ": الْأُمُور تجْرِي بِقدر الله ومقداره وَتَقْدِيره وإقداره ومقاديره، فالقدر وَالتَّقْدِير كِلَاهُمَا تبين كمية الْأَشْيَاء
وَيَجِيء التَّقْدِير بِمَعْنى التَّخْصِيص الَّذِي هُوَ نتيجة الْإِرَادَة التابعة للْعلم، أَو نتيجة الْحِكْمَة التابعة لَهُ كَمَا فِي " التَّعْدِيل " وَغَيره وَإِذا كَانَ التَّقْدِير تَابعا للْعلم التَّابِع للمعلوم فِي الْمَاهِيّة كَمَا هُوَ الحَدِيث الْمَشْهُور الَّذِي رَوَاهُ ثَمَانِيَة من الصَّحَابَة فتقدير السَّعَادَة قبل أَن يُولد لَا يدْخلهُ فِي حيّز ضَرُورَة السَّعَادَة وَكَذَا تَقْدِير الشقاوة قبل أَن يُولد لَا يُخرجهُ عَن قابلية السَّعَادَة، وَلَيْسَ التَّقْدِير أَنه إِن فعل كَذَا كَانَ كَذَا وَإِلَّا لَا، لِأَن الْوَاقِع بخلقه تَعَالَى أَحدهمَا معينا
ثمَّ التَّقْدِير إِمَّا بالحكم مِنْهُ تَعَالَى أَن يكون كَذَا أَو أَن لَا يكون كَذَا، إِمَّا على سَبِيل الْوُجُوب وَإِمَّا على سَبِيل الْإِمْكَان وعَلى ذَلِك قَوْله تَعَالَى:{قد جعل الله لكل شَيْء قدرا} وَإِمَّا بِإِعْطَاء الْقُدْرَة عَلَيْهِ
وَقَوله تَعَالَى:{وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} أَي قَضَاء مبتوتا وَقَالَ بَعضهم: (قدرا) إِشَارَة إِلَى مَا سبق بِهِ الْقَضَاء وَالْكِتَابَة فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله:" فرغ رَبك من الْخلق وَالْأَجَل والرزق " و (مَقْدُورًا) إِشَارَة إِلَى مَا يحدث حَالا فحال، وَهُوَ الْمشَار إِلَيْهِ بقوله:{كل يَوْم هُوَ فِي شَأْن} يَعْنِي شؤونا يبديها لَا شؤونا يبتديها، وَلَا يُنَافِيهِ قَضِيَّة " رفعت الأقلام وجفت الصُّحُف " لِأَن الْجُود الإلهي لما كَانَ مقتضيا لتكميل الموجودات قدر بلطف حكمته زَمَانا يخرج تِلْكَ الْأُمُور من الْقُوَّة إِلَى الْفِعْل قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ رَحمَه الله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: {وَكَانَ أَمر الله قدرا مَقْدُورًا} : الْقَضَاء مَا يكون مَقْصُودا فِي الأَصْل وَالْقدر مَا يكون تَابعا، فالخير كُله بِقَضَاء، وَمَا فِي الْعَالم من الضَّرَر فبقدر]
(وَتَقْدِير الله الْأَشْيَاء على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: بِإِعْطَاء الْقُدْرَة
وَالثَّانِي: بِأَن يجعلهما على مِقْدَار مَخْصُوص وَوجه مَخْصُوص حَسْبَمَا اقتضته الْحِكْمَة؛ وَمَا أوجده بِالْفِعْلِ بِأَن أبدعه كَامِلا دفْعَة لَا يَعْتَرِيه الْكَوْن وَالْفساد إِلَى أَن يَشَاء أَن يفنيه أَو يُبدلهُ، كالسماوات بِمَا فِيهَا؛ وَمَا جعل أُصُوله مَوْجُودَة بِالْفِعْلِ وأجراه بِالْقُوَّةِ وَقدره على وَجه لَا يَتَأَتَّى فِيهِ غير مَا قدر فِيهِ، كتقدير مني الْآدَمِيّ أَن يكون مِنْهُ إِنْسَان لَا حَيَوَان)