وتعليل منكري إِعَادَة الْمَعْدُوم بِعَيْنِه بِلُزُوم تخَلّل الْعَدَم بَين شَيْء وَاحِد بِعَيْنِه على تَقْدِير وُقُوعهَا وَهُوَ محَال، إِذْ لَا بُد للتخلل من طرفين متغايرين، فَحِينَئِذٍ لَا يكون الْمعَاد هُوَ الْمُبْتَدَأ بِعَيْنِه فَلَيْسَ بِشَيْء، إِذْ التخلل فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ لزمان الْعَدَم بَين زماني الْوُجُود الْوَاحِد؛ وَإِذا اعْتبر نِسْبَة هَذَا التخلل إِلَى الْمَعْدُوم مجَازًا كَفاهُ اعْتِبَار التغاير فِي الْوُجُود الْوَاحِد بِحَسب زمانيه
فِي " الاقتصاد ": معنى الْإِعَادَة أَن يُبدل الْوُجُود للعدم الَّذِي سبق لَهُ الْوُجُود
وَمعنى الْمثل أَن يخترع الْوُجُود لعدم لم يسْبق لَهُ الْوُجُود
وَاعْلَم أَن مُقْتَضى ذَات الشَّيْء أَو لَازمه الذاتي لَا يخْتَلف بِحَسب الْأَزْمِنَة، فَلَا يكون مُمْتَنعا فِي وَقت مُمكنا فِي وَقت وكما لَا يكون الْمَاهِيّة الموصوفة بالوجود بعد الْعَدَم وَاجِب الْوُجُود وممتنع الْوُجُود كَذَلِك لَا يكون الْمَاهِيّة الموصوفة بِالْعدمِ بعد الْوُجُود مُمْتَنع الْوُجُود وواجب الْعَدَم، بل هُوَ أقبل للوجود وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ}
وَالْحكم بِصِحَّة عود الْمَعْدُوم لَا على الْمَعْدُوم الْمُطلق، بل على الْمَوْجُود فِي الذِّهْن، لِأَنَّهُ يَصح أَن يُعَاد فِي الْخَارِج
ثمَّ القَوْل بِثُبُوت الْمعَاد الجسماني فَقَط هُوَ لأكْثر الْمُتَكَلِّمين النافين للنَّفس الناطقة؛ وبثبوت الْمعَاد الروحاني فَقَط للفلاسفة الإلهيين، وثبوتهما مَعًا لكثير من الْمُحَقِّقين، وبعدم ثُبُوت شَيْء مِنْهُمَا للفلاسفة الطبيعيين
والتوقف فِي هَذِه الْأَقْسَام هُوَ الْمَنْقُول عَن جالينوس حَيْثُ قَالَ: " لم يتَبَيَّن لي أَن النَّفس هَل المزاج الَّذِي يَنْعَدِم عِنْد الْمَوْت فيستحيل إِعَادَتهَا أَو جَوْهَر بَاقٍ بعد فَسَاد البنية فَيمكن الْمعَاد "
بَقِي احْتِمَال ثُبُوت الْمعَاد مُطلقًا مَعَ التَّوَقُّف فِي خُصُوصِيَّة كل من الجسماني والروحاني
ثمَّ الْمعَاد الروحاني لَا يتَعَلَّق التَّكْلِيف باعتقاده، وَلَا يكفر منكره، وَلَا منع شَرْعِيًّا وَلَا عقليا من إثْبَاته
وَأما الْمعَاد الجسماني فمما يجب الِاعْتِقَاد بِهِ وَيكفر منكره
وَأما حشر الأجساد اللَّازِمَة على تَقْدِير وُقُوع الْمعَاد الجسماني فقد قَالَ بَعضهم: هُوَ حشر الْمُكَلّفين لَا غير الْمُكَلّفين، لِأَن الْأَخْبَار المنقولة فِيهِ لم تصل إِلَى حد التَّوَاتُر، وَلم ينْعَقد عَلَيْهِ الْإِجْمَاع، بل كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ فِيمَا بَينهم، وَلم يكن الِاعْتِقَاد بِهِ من شَرَائِط الْإِسْلَام
والمتفق عَلَيْهِ عِنْد أهل الْحق وُقُوع الْمعَاد الجسماني مُطلقًا، وَأما تعْيين أَنه بالإيجاد بعد الاعدام أَو بِالْجمعِ بعد التَّفْرِيق فمختلف فِيهِ فِيمَا بَينهم؛ والسمع لَا يعين وَاحِدًا مِنْهُمَا على الْقطع
وَالْجُمْهُور على أَن المحشور الْأَجْزَاء الْأَصْلِيَّة الَّتِي سَمَّاهَا الْأَوَائِل الْجِسْم لَا الْأَجْزَاء الفضلية الَّتِي سَموهَا أَيْضا الجرم
وَالْحكمَة المحمدية تَقْتَضِي حشرهما جَمِيعًا بِدَلِيل أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصّى أَن يجْتَنب الْجنب عَن إِزَالَة