للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رواه أحمد وغيره بإسناد جيد. فانظر كيف عاد الحلف على طائفة لا غنى للناس عنها بهذا الوصف الذميم "الفجار" بل عاد عليهم بالسقوط والخسران.

وأقبح من هذا الكذب في اليمين عمدًا، فقد ورد التغليظ في تحريمه.

فعن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقى الله وهو عليه غضبان" قال: ثم قرأ علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصداقه من كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (١). متفق عليه.

وعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثى رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة" فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: "وإن كان قضيبًا من أراك" رواه مسلم، وروى البخارى أن أعرابيًّا جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: "الإشراك بالله" قال: ثم ماذا؟ قال: "اليمين الغموس" قلت: وما اليمين الغموس؟ قال: "الذى يقتطع مال امرئ مسلم" يعنى بيمين هو فيها كاذب، وسميت غموسًا لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم ولا كفارة لها عند بعض الفقهاء لأنها لشدة فحشها وكبر إثمها لا يمكن تداركها بالكفارة، والذين يرون من الفقهاء أن لها كفارة نظروا إلى ما في الكفارة من المؤاخذة لا أنها ترفع الذنب الذى اجترحه الحالف، إلا فالخلاص من العقاب عليها لا سبيل له إلا التوبة النصوح.

ومن العادات الفاشية بين الناس في محاوراتهم ومخاطباتهم أن يلجأ الواحد

منهم إلى الحلف بالله لتعزيز ما يدعيه أو تقوية عزيمته على أمر يصر عليه، وتلك عادة ذميمة لا تصدر إلَّا ممن فقد ثقة الناس به أو ضعفت ثقته بنفسه، ثم لا يزال يتكرر منه حتى يصير له عادة، يجري عني لسانه الحلف بدون قصد صحيح فيضعف أثره في نفسه وتأثيره في نفس المخاطب، وقد يجر ذلك إلى التهاون بالأمر وعدم المبالاة بما يترتب عليه من الخطر الذى يجب على المؤمن أن يقى نفسه منه باليقظة والمراقبة لنفسه،


(١) [سورة آل عمران: الآية ٧٧].

<<  <   >  >>